يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس وقال " أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ " ثم قال صلى الله عليه وسلم " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا " وفى رواية " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " وفي الصحيح أيضا وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة. ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها كما روى الترمذي وابن ماجة من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء أبدا " قال الترمذي حسن صحيح.
ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين (36) وإنهم ليصدونهم عن سبيل ويحسبون أنهم مهتدون (37) حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد الشرقين فبئس القرين (38) ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب المشتركون (39) أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان في ضلال مبين (40) فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (41) أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون (42) فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم (43) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون (44) وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون (45) يقول تعالى " ومن يعش " أي يتعامى ويتغافل ويعرض " عن ذكر الرحمن " والعشا في العين ضعف بصرها والمراد ههنا عشا البصيرة " نقيض له شيطان فهو له قرين " كقوله تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى " الآية وكقوله " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " وكقوله جل جلاله " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " الآية ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا " وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا " أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم من الشيطان الذي وكل به " قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " وقرأ بعضهم " حتى إذا جاءانا " يعني القرين والمقارن قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار فذلك حين يقول " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " والمراد بالمشرقين ههنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل ههنا تغليبا كما يقال: القمران والعمران والأبوان قاله ابن جرير وغيره. ثم قال تعالى " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته " أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين " أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك. ثم قال تعالى " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " أي لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت " أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدون " أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم وملكه ما تضمنته صياصيهم هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الاعلى حدثنا أبو ثور عن معمر قال تلا قتادة " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " فقال ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير الله تبارك