تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ١٣٨
يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس وقال " أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ " ثم قال صلى الله عليه وسلم " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا " وفى رواية " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " وفي الصحيح أيضا وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة. ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها كما روى الترمذي وابن ماجة من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء أبدا " قال الترمذي حسن صحيح.
ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين (36) وإنهم ليصدونهم عن سبيل ويحسبون أنهم مهتدون (37) حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد الشرقين فبئس القرين (38) ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب المشتركون (39) أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان في ضلال مبين (40) فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (41) أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون (42) فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم (43) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون (44) وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون (45) يقول تعالى " ومن يعش " أي يتعامى ويتغافل ويعرض " عن ذكر الرحمن " والعشا في العين ضعف بصرها والمراد ههنا عشا البصيرة " نقيض له شيطان فهو له قرين " كقوله تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى " الآية وكقوله " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " وكقوله جل جلاله " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " الآية ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا " وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا " أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم من الشيطان الذي وكل به " قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " وقرأ بعضهم " حتى إذا جاءانا " يعني القرين والمقارن قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار فذلك حين يقول " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " والمراد بالمشرقين ههنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل ههنا تغليبا كما يقال: القمران والعمران والأبوان قاله ابن جرير وغيره. ثم قال تعالى " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته " أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين " أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك. ثم قال تعالى " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " أي لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت " أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدون " أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم وملكه ما تضمنته صياصيهم هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الاعلى حدثنا أبو ثور عن معمر قال تلا قتادة " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " فقال ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير الله تبارك
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615