السميع العليم * رب السماوات والأرض وما بينهما " أي الذي أنزل القرآن هو رب السماوات والأرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما " إن كنتم موقنين " أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى " لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين " وهذه الآية كقوله تعالى " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت " الآية بل هم في شك يلعبون (9) فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين (10) يغشى الناس هذا عذاب أليم (11) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين (13) ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون (14) إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون (15) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون (16) يقول تعالى بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون أي قد جاءهم الحق اليقين وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به ثم قال عز وجل متوعدا لهم ومهددا " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " قال سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن مسروق قال دخلنا المسجد يعني مسجد الكوفة عند أبواب كندة فإذا رجل يقص على أصحابه " يوم تأتي السماء بدخان مبين " تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام قال فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا ففزع فقعد وقال إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم سأحدثكم عن ذلك إن قريشا لما أبطأت عن الاسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد قال الله تعالى " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم " فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم فسقوا فنزلت " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " قال ابن مسعود رضي الله عنه فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله عز وجل " يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون " قال يعني يوم بدر قال ابن مسعود رضي الله عنه فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيريهما وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا وأن الدخان مضى جماعة من السلف: كمجاهد وأبى العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا يحيى بن حسان حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الرحمن الأعرج في قوله عز وجل " يوم تأتي السماء بدخان مبين " قال كان يوم فتح مكة وهذا القول غريب جدا بل منكر وقال آخرون لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم والدجال وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا " تفرد بإخراجه مسلم في
(١٤٩)