وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون (20) يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الانعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى كما ذكر الله عز وجل عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالى " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " وكذلك جعلوا له من قسمة البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات كما قال تعالى " ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى " وقال جل وعلا ههنا " وجعلوا له من عباده جزءا إن الانسان لكفور مبين " ثم قال جل وعلا " أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " وهذا إنكار عليهم غاية الانكار. ثم ذكر تمام الانكار فقال جلت عظمته " وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم " أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الانفة وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به ويتوارى من القوم من خجله من ذلك يقول تبارك وتعالى فكيف تأنفون أنتم من ذلك وتنسبونه إلى الله عز وجل؟ ثم قال سبحانه وتعالى " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة وإذا خاصمت فلا عبارة لها بل هي عاجزة عيية أو من يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم؟
فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا وأما إذا كان الجمال موفرا كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرها سرقة وقوله تبارك وتعالى " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " أي اعتقدوا فيهم ذلك فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال " أشهدوا خلقهم " أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا " ستكتب شهادتهم " أي بذلك " ويسئلون " عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم " أي لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة الأصنام التي هي على صورة الملائكة التي هي بنات الله فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه فجمعوا بين أنوع كثيرة من الخطأ " أحدها " جعلهم لله تعالى ولدا تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا " الثاني " دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " الثالث " عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل بل بمجرد الآراء والأهواء والتقليد للاسلاف والكبراء والآباء والخبط في الجاهلية الجهلاء " الرابع " احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدرا وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلا كبيرا فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الانكار فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له وينهى عن عبادة ما سواه قال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حطت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " وقال عز وجل " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " وقال جل وعلا في هذه الآية بعد أن ذكر حجتهم هذه " ما لهم بذلك من علم " أي بصحة ما قالوه واحتجوا به " إن هم إلا يخرصون " أي يكذبون ويتقولون وقال مجاهد في قوله تعالى " ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون " يعني ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك