وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم قال وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله عز وجل وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضا وفي الحديث " النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون " ثم قال عز وجل " فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم " أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم ثم قال جل جلاله " وإنه لذكر لك ولقومك " قيل معناه لشرف لك ولقومك قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وقتادة والسدي. وابن زيد واختاره ابن جرير ولم يحك سواه وأورد الترمذي ههنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن هذا الامر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين " رواه البخاري ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين والسابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم وقيل معناه " وإنه لذكر لك ولقومك " أي لتذكير لك ولقومك وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم كقوله تعالى " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون " وكقوله تبارك وتعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين " " وسوف تسئلون " أي عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له. وقوله سبحانه وتعالي " واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد كقوله جلت عظمته " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واسئل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي وابن مسعود رضي الله عنه وهذا كأنه تفسير لا تلاوة والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم واسألهم ليلة الاسراء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له واختار ابن جرير الأول والله أعلم.
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملأه فقال إني رسول رب العالمين (46) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون (47) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون (48) وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد إننا لمهتدون (49) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون (50) يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام أنه ابتعثه إلى فرعون وملئه من الامراء والوزراء والقادة والاتباع والرعايا من القبط وبني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه وأنه بعث معه آيات عظاما كيده وعصاه وما أرسل معه من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ومن نقص الزروع والأنفس والثمرات ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والانقياد لها وكذبوها وسخروا منها وضحكوا ممن جاءهم بها " وما تأتيهم من آية إلا هي أكبر أختها " ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضلالهم وجهلهم وخبالهم وكلما جاءتهم آية من هذه الآيات يضرعون إلى موسى عليه الصلاة والسلام ويتلطفون له في العبارة بقولهم " يا أيها الساحر " أي العالم قاله ابن جرير وكان علماء زمانهم هم السحرة ولم يكن السحر في زمانهم مذموما عندهم فليس هذا منهم على سبيل الانتقاص منهم لان الحال حال ضرورة منهم إليه لا تناسب ذلك وإنما هو تعظيم في زعمهم ففي كل مرة يعدون موسى عليه السلام إن كشف عنهم هذا أن يؤمنوا به ويرسلوا معه بني