كذبه من قومه وآمرا له بالصبر عليهم " وكم أرسلنا من نبي في الأولين " أي في شيع الأولين " وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون " أي يكذبونه ويسخرون به وقوله تبارك وتعالى " فأهلكنا أشد منهم بطشا " أي فأهلكنا المكذبين بالرسل وقد كانوا أشد بطشا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد كقوله عز وجل " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة " والآيات في ذلك كثيرة جدا. وقوله جل جلاله " ومضى مثل الأولين " قال مجاهد: سنتهم وقال قتادة: عقوبتهم وقال غيرهما: عبرتهم أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم كقوله تعالى في آخر هذه السورة " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " وكقوله جلت عظمته " سنة الله التي قد خلت في عباده " وقال عز وجل " ولن تجد لسنة الله تبديلا ".
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم (9) الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون (10) والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون (11) والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون (12) لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (13) وإنا إلى ربنا لمنقلبون (14) يقول تعالى ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره " من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم " أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد ثم قال تعالى " الذي جعل لكم الأرض مهدا " أي فراشا قرارا ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون مع أنها مخلوقة على تيار الماء لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا " وجعل لكم فيها سبلا " أي طرقا بين الجبال والأودية " لعلكم تهتدون " أي في سيركم من بلد إلى بلد وقطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم " والذي نزل من السماء ماء بقدر " أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم وقوله تبارك وتعالى " فأنشرنا به بلدة ميتا " أي أرضا ميتة فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها فقال " كذلك تخرجون ".
ثم قال عز وجل " والذي خلق الأزواج كلها " أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها " وجعل لكم من الفلك " أي السفن " والانعام ما تركبون " أي ذللها لكم وسخرها ويسرها لاكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها ولهذا قال جل وعلا " لتستووا على ظهوره " أي لتستووا متمكنين مرتفعين " على ظهوره " أي على ظهور هذا الجنس " ثم تذكروا نعمة ربكم " أي فيما سخر لكم " إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " أي مقاومين ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والسدي وابن زيد: مقرنين أي مطيقين " وإنا إلى ربنا لمنقلبون " أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى " وريشا ولباس التقوى ذلك خير "