تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ١٤٠
إسرائيل في كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه وهذا كقوله تبارك وتعالى " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين * ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل * فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ".
ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي أفلا تبصرون (51) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين (52) فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين (53) فاستخف قومه فأطاعوه إنهم قوما فاسقين (54) فلما أسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين (55) فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين (56) يقول تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده أنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي " قال قتادة قد كانت لهم جنات وأنهار ماء " أفلا تبصرون " أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك يعني وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء وهذا كقوله تعالى " فحشر فنادى فقال أنا ربكم الاعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " وقوله " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين " قال السدي يقول بل أنا خير من هذا الذي هو مهين وهكذا قال بعض نحاة البصرة: إن أم ههنا بمعنى بل ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها " أما أنا خير من هذا الذي هو مهين " قال ابن جرير ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحا واضحا ولكنها خلاف قراءة الأمصار فإنهم قرأوا " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين " على الاستفهام " قلت " وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ويعني بقوله مهين كما قال سفيان حقير وقال قتادة والسدي يعني ضعيف وقال ابن جرير يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال " ولا يكاد يبين " يعني لا يكاد يفصح عن كلامه فهو عيي حصر قال السدي " لا يكاد يبين " أي لا يكاد يفهم وقال قتادة والسدي وابن جرير يعني عيي اللسان وقال سفيان يعني في لسانه شئ من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير وهذا قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق وإنما حمله على هذا الكفر والعناد وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب وقوله " مهين " كذب بل هو المهين الحقير خلقة وخلقا ودينا وموسى هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد وقوله " ولا يكاد يبين " افتراء أيضا فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شئ من جهة تلك الجمرة فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله وقد استجاب الله تبارك تعالى له ذلك في قوله " قد أوتيت سؤلك يا موسى " وبتقدير أن يكون قد بقي شئ لم يسأل إزالته كما قاله الحسن البصري وإنما سأل زوال ما يحصل معه الابلاغ والافهام فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله " فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب " وهي ما يجعل في الأيدي من الحلى قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغير واحد " أو جاء معه الملائكة مقترنين " أي يكنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم ولهذا قال تعالى " فاستخف قومه
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615