يقال للحيوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى: * (ولكم في القصاص حياة) * (البقرة: 179).
ثم قال تعالى: * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) * وهذه الآية فيها مسائل: المسألة الأولى: احتج علماء التوحيد قديما وحديثا بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء وحاصلا في المكان والجهة، وقالوا لو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام، فيلزم حصول الأمثال والأشباه له، وذلك باطل بصريح قوله تعالى: * (ليس كمثله شيء) * ويمكن إيراد هذه الحجة على وجه آخر، فيقال إما أن يكون المراد * (ليس كمثله شيء) * في ماهيات الذات، أو أن يكون المراد ليس كمثله في الصفات شيء، والثاني باطل، لأن العباد يوصفون بكونهم عالمين قادرين، كما أن الله تعالى يوسف بذلك، وكذلك يوصفون بكونهم معلومين مذكورين، مع أن الله تعالى يوصف بذلك، فثبت أن المراد بالمماثلة المساواة في حقيقة الذات، فيكون المعنى أن شيئا من الذوات لا يساوي الله تعالى في الذاتية، فول كان الله تعالى جسما، لكان كونه جسما ذاتا لا صفة، فإذا كان سائر الأجسام مساوية له في الجسمية، أعني في كونها متحيزة طويلة عريضة عميقة، فحينئذ تكون سائر الأجسام مماثلة لذات الله تعالى في كونه ذاتا، والنص ينفي ذلك فوجب أن لا يكون جسما.
واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه " بالتوحيد "، وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأن كان رجلا مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل، فقال: " نحن نثبت لله وجها ونقول: إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء، ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، ووجه ربنا منفي عنه الهلاك والفناء، ونقول إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك والفناء، ونفى عنها الجلال والإكرام، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء، ولو كان مجرد إثبات الوجه لله يقتضي التشبيه لكان من قال إن لبني آدم وجوها وللخنازير والقردة والكلاب وجوها، لكان قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب.
ثم قال: ولا شك أنه اعتقاد الجهمية لأنه لو قيل له: وجهك يشبه وجه الخنازير والقردة لغضب ولشافهه بالسوء، فعلمنا أنه لا يلزم من إثبات الوجه واليدين لله إثبات التشبيه بين الله وبين خلقه ". وذكر في فصل آخر من هذا الكتاب " أن القرآن دل على وقوع التسوية بين ذات الله تعالى وبين خلقه في صفات كثيرة، ولم يلزم منها أن يكون القائل مشبها فكذا ههنا " ونحن نعد الصور التي ذكرها على الاستقصاء فالأول: أنه تعالى قال في هذه الآية * (وهو السميع البصير) * وقال في حق الإنسان * (فجعلناه سميعا بصيرا) * (الإنسان: 2)، الثاني: قال: * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) * (التوبة: 105) وقال في حق المخلوقين * (أولم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) * (النحل: 79) الثالث: قال: * (واصنع الفلك بأعيننا) * (هود: 37) * (واصبر لحكم ربك فإنك فأعيننا) * (الطور: 48) وقال في حق المخلوقين * (ترى أعينهم تفيض من الدمع) * (المائدة: 83)