الرابع: قال لإبليس * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * (ص: 75) وقال: * (بل يداه مبسوطتان) * (المائدة: 64) وقال: في حق المخلوقين * (ذلك بما قدمت أيديكم) * (آل عمران: 182)، * (ذلك بما قدمت يداك) *، (الحج: 10) * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) *، (الفتح: 10) الخامس: قال تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) * (طه: 5) وقال في الذين يركبون الدواب * (لتستووا على ظهوره) * (الزخرف: 13) وقال في سفينة نوح * (واستوت على الجودي) * (هود: 44)، السادس: سمى نفسه عزيزا فقال: * (العزيز الجبار) * (الحشر: 23)، ثم ذكر هذا الاسم في حق المخلوقين بقوله * (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا) * (يوسف: 78)، * (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) * (يوسف: 88)، السابع: سمى نفسه بالملك وسمى بعض عبيده أيضا بالملك فقال: * (وقال الملك ائتوني به) * (يوسف: 50) وسمى نفسه بالعظيم ثم أوقع هذا الاسم على المخلوق فقال: * (رب العرش العظيم) * (التوبة: 129) وسمى نفسه بالجبار المتكبر وأوقع هذا الاسم على المخلوق فقال: * (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) * (غافر: 35) ثم طول في ضرب الأمثلة من هذا الجنس، وقال ومن وقف على الأمثلة التي ذكرناها أمكنه الإكثار منها، فهذا ما أورده هذا الرجل في هذا الكتاب.
وأقول هذا المسكين الجاهل إنما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة المثلين وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلين ثم فرعوا عليه الاستدلال بهذه الآية، فنقول المثلان هما اللذان يقوم كل واحد منهما مقام الآخر في حقيقته وماهيته، وتحقيق الكلام فيه مسبوق بمقدمة أخرى فنقول: المعتبر في كل شيء، إما تمام ماهيته وإما جزء من أجزاء ماهيته وإما أمر خارج عن ماهيته، ولكنه من لوازم تلك الماهية، وأما أمر خارج عن ماهيته ولكنه ليس من لوازم تلك الماهية وهذا التقسيم مبني على الفرق بين ذات الشيء وبين الصفات القائمة به وذلك معلوم بالبديهة، فإنا نرى الحبة من الحصرم كانت في غاية الخضرة والحموضة ثم صارت في غاية السواد والحلاوة، فالذات باقية والصفات مختلفة والذات الباقية مغايرة للصفات المختلفة، وأيضا نرى الشعر قد كان في غاية السواد ثم صار في غاية البياض، فالذات باقية والصفات متبدلة والباقي غير المتبدل، فظهر بما ذكرنا أن الذوات مغايرة للصفات. إذا عرفت هذا فنقول: اختلاف الصفات لا يوجب اختلاف الذوات البتة، لأنا نرى الجسم الواحد كان ساكنا ثم يصير متحركا، ثم يسكن بعد ذلك، فالذوات باقية في الأحوال كلها على نهج واحد ونسق واحد، والصفات متعاقبة متزايلة، فثبت بهذا أن اختلاف الصفات والأعراض لا يوجب اختلاف الذوات، إذا عرفت هذا فنقول: الأجسام منها تألف وجه الكلب والقرد مساوية للأجسام التي تألف منها وجه الإنسان والفرس وإنما حصل الاختلاف إنما وقع بسبب الاختلاف في الصفات والأعراض، فأما ذوات الأجسام فهي متماثلة إلا أن العوام لا يعرفون الفرق بين الذوات وبين الصفات، فلا جرم يقولون إن وجه الإنسان مخالف لوجه الحمار، ولقد صدقوا فإنه حصلت تلك بسبب الشكل واللون