القول الثالث: ما ذكره الحسن فقال: إلا أن تودوا إلى الله فيما يقربكم إليه من التودد إليه بالعمل الصالح، فالقربى على القول الأول القرابة التي هي بمعنى الرحم وعلى الثاني القرابة التي هي بمعنى الأقارب، وعلى الثالث هي فعلى من القرب والتقريب، فإن قيل الآية مشكلة، ذلك لأن طلب الأجر على تبليغ الوحي لا يجوز ويدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء عليهم السلام أنهم صرحوا بنفي طلب الأجرة، فذكر في قصة نوح عليه السلام * (وما أسألكم عليه من أجر أن أجري إلا على رب العالمين) * (الشعراء: 109) وكذا في قصة هود وصالح، وفي قصة لوط وشعيب عليهم السلام، ورسولنا أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فكان بأن لا يطلب الأجر على النوبة والرسالة أولى الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم صرح بنفي طلب الأجر في سائر الآيات فقال: * (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) * (سبأ: 47) وقال: * (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) * (ص: 86) الثالث: العقل يدل عليه وذلك لأن ذلك التبليغ كان واجبا عليه قال تعالى: * (بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * (المائدة: 67) وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلا عن أعلم العلماء الرابع: أن النبوة أفضل من الحكمة وقد قال تعالى في صفة الحكمة * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * (البقرة: 269) وقال في صفة الدنيا * (قل متاع الدنيا قليل) * (النساء: 77) فكيف يحسن في العقل مقابلة أشرف الأشياء بأخس الأشياء الخامس: أن طلب الأجر كان يوجب التهمة، وذلك ينافي القطع بصحة النبوة، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب أجرا البتة على التبليغ والرسالة، وظاهر هذه الآية يقتضي أنه طلب أجرا على التبليغ والرسالة، وهو المودة في القربى هذا تقرير السؤال، والجواب عنه: أنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ والرسالة، بقي قوله * (إلا المودة في القربى) * نقول الجواب عنه من وجهين الأول: أن هذا من باب قوله:
ولا عيب غير أن سيوفهم بها من قراع الدارعين فلول المعنى أنا لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجرا لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب قال تعالى: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * (التوبة: 71) وقال صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا " والآيات والأخبار في هذا الباب كثيرة وإذا كان حصول المودة بين جمهور المسلمين واجبا فحصولها في حق أشرف المسلمين وأكابرهم أولى، وقوله تعلى: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * تقديره والمودة في القربى ليست أجرا، فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة الوجه الثاني: في الجواب أن هذا استثناء منقطع، وتم الكلام عند قوله * (قل لا أسألكم عليه أجرا) *.
ثم قال: * (إلا المودة في القربى) * أي لكن أذكركم قرابتي منكم وكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر.
المسألة الثالثة: نقل صاحب " الكشاف ": عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من مات على حب آل محمد مات شهيدا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات على