المسألة الأولى: وجه النظم أنه تعالى كما منع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحمل الكفار على الإيمان قهرا، فكذلك منع المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخصومات والمنازعات فقال: * (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) * وهو إثابة المحقين فيه ومعاقبة المبطلين، وقيل وما اختلفتم فيه من شيء وتنازعتم فتحاكموا فيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تؤثر حكومة غيره على حكومته، وقيل وما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور التي لا تصل بتكليفكم، ولا طريق لكم إلى عمله كحقيقة الروح، فقولوا الله أعلم به، قال تعالى: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * (الإسراء: 85).
المسألة الثانية: تقدير الآية كأنه قال: قل يا محمد * (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) * والدليل عليه قوله تعالى: * (ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب) *.
المسألة الثالثة: احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا قوله تعالى: * (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) * إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص الله عليه، أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نص الله عليه، والثاني باطل لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثبتة بالقياس بأنه باطل فيعتبر الأول، فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالنص وذلك ينفي العمل القياس، ولقائل أن يقوم لم لا يجوز أن يكون المراد فحكمه يعرف من بيان الله تعالى، سواء كان ذلك البيان بالنص أو بالقياس؟ أجيب عنه بأن المقصود من التحاكم إلى الله قطع الاختلاف، والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه، فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نصوص الله تعالى.
ثم قال تعالى: * (ذلكم الله ربي) * أي ذلكم الحاكم بينكم هو ربي * (عليه توكلت) * في دفع كيد الأعداء وفي طلب كل خير * (وإليه أنيب) * أي وإليه أرجع في كل المهمات، وقوله * (عليه توكلت) * يفيد الحصر، أي لا أتوكل إلا عليه، وهو إشارة إلى تزييف طريقة من اتخذ غير الله وليا.
ثم قال: * (فاطر السماوات والأرض) * قرىء بالرفع والجر، فالرفع على أنه خبر ذلكم، أو خبر مبتدأ محذوف، والجر على تقدير أن يكون الكلام هكذا وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله فاطر السماوات والأرض وقوله * (ذلكم الله ربي) * اعتراض وقع بين الصفة والموصوف، * (جعل لكم من أنفسكم) * من جنسكم من الناس * (أزواجا ومن الأنعام أزواجا) * أي خلق من الأنعام أزواجا، ومعناه وخلق أيضا للأنعام من أنفسها أزواجا * (يذرؤكم) * أي يكثركم، يقال: ذرأ الله الخلق، أي كثرهم، وقوله * (فيه) * أي في هذا التدبير، وهو التزويج وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل، والضمير في * (يذرؤكم) * يرجع إلى المخاطبين، إلى أنه غلب فيه جانب الناس من وجهين الأول: أنه غلب فيه جانب العقلاء على غير العقلاء الثاني: أنه غلب فيه جانب المخاطبين على الغائبين، فإن قيل ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير، ولم لم يقل يذرؤكم به؟ قلنا جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهذا التكثير، ألا ترى أنه