خاصة وقوله * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * (سبأ: 28) يدل على كونه رسولا إلى كل العالمين، أيضا لما ثبت كونه رسولا إلى أهل مكة وجب كونه صادقا، ثم إنه نقل إلينا بالتواتر كان يدعى أنه رسول إلى كل العالمين، والصادق إذا أخبر عن شيء وجب تصديقه فيه، فثبت أنه رسول إلى كل العالمين.
ثم قال تعالى: * (وتنذر يوم الجمع) * الأصل أن يقال أنذرت فلانا بكذا فكان الواجب أن يقال لتنذر أم القرى بيوم الجمع وأيضا فيه إضمار والتقدير لتنذر أهل أم القرى بعذاب يوم الجمع وفي تسميته بيوم الجمع وجوه الأول: أن الخلائق يجمعون فيه قال تعالى: * (يوم يجمعكم ليوم الجمع) * (التغابن: 9) فيجتمع فيه أهل السماوات من أهل الأرض الثاني: أنه يجمع بين الأرواح والأجساد الثالث: يجمع بين كل عامل وعمله الرابع: يجمع بين الظالم والمظلوم وقوله * (لا ريب فيه) * صفة ليوم الجمع الذي لا ريب فيه، وقوله * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * تقديره ليوم الجمع الذي من صفته يكون القوم فيه فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، فإن قيل قوله * (يوم الجمع) * يقتضي كون القوم مجتمعين وقوله * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * يقتضي كونهم متفرقين، والجمع بين الصفتين محال، قلنا إنهم يجتمعون أولا ثم يصيرون فريقين.
ثم قال: * (ولو شاء الله لجمعهم أمة واحدة) * والمراد تقرير قوله * (والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل) * (الشورى: 6) أي لا يكن في قدرتك أن تحملهم على الإيمان، فلو شاء الله ذلك لفعله لأنه أقدر منك، ولكنه جعل البعض مؤمنا والبعض كافرا، فقوله * (يدخل من يشاء في رحمته) * يدل على أنه تعالى هو الذي أدخلهم في الإيمان والطاعة، وقوله * (والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير) * يعني أنه تعالى ما أدخلهم في رحمته، وهذا يدل على أن الأولين إنما دخلوا في رحمته، لأنه كان لهم ولي ونصير أدخلهم في تلك الرحمة، وهؤلاء ما كان لهم ولي ولا نصير يدخلهم في رحمته.
ثم قال تعالى: * (أم اتخذوا من دونه أولياء) * والمعنى أنه تعالى حكى عنهم أولا أنهم اتخذوا من دونه أولياء، ثم قال بعده لمحمد صلى الله عليه وسلم لست عليهم رقيبا ولا حافظا، ولا يجب عليك أن تحملهم على الإيمان شاءوا أم أبوا، فإن هذا المعنى لو كان واجبا لفعله الله، لأنه أقدر منك، ثم إنه أعاد بعده ذلك الكلام على سبيل الاستنكار، فإن قوله * (أم اتخذوا من دونه أولياء) * استفهام على سبيل الإنكار.
ثم قال تعالى: * (فالله هو الولي) * والفاء في قوله * (فالله هو الولي) * جواب شرط مقدر، كأنه قال: إن أرادوا أولياء بحق الله هو الولي بالحق لا ولي سواه، لأنه يحيى الموتى وهو على كل شيء قدير، فهو الحقيق بأن يتخذ وليا دون من لا يقدر على شيء.
ثم قال: * (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) * وفيه مسائل: