بالعقاب، والحق أن القرآن بشارة ونذارة إلا أنه أطلق اسم الفاعل عليه للتنبيه على كونه كاملا في هذه الصفة، كما يقال شعر شاعر وكلام قائل.
الصفة العاشرة: كونهم معرضين عنه لا يسمعون ولا يلتفتون إليه، فهذه هي الصفات العشرة التي وصف الله القرآن بها، ويتفرع عليها مسائل:
المسألة الأولى: القائلون بخلق القرآن احتجوا بهذه الآية من وجوه الأول: أنه وصف القرآن بكونه تنزيلا ومنزلا والمنزل والتنزيل مشعر بالتصير من حال، فوجب أن يكون مخلوقا الثاني: أن التنزيل مصدر والمصدر هو المفعول المطلق باتفاق النحويين الثالث: المراد بالكتاب إما الكتاب وهو المصدر الذي هو المفعول المطلق أو المكتوب الذي هو المفعول الرابع: أن قوله * (فصلت) * يدل على أن متصرفا يتصرف فيه بالتفصيل والتمييز، وذلك لا يليق بالقديم الخامس: أنه إنما سمي قرآنا لأنه قرن بعض أجزائه بالبعض وذلك يدل على كونه مفعول فاعل ومجعول جاعل السادس: وصفه عربيا، وإنما صحت هذه النسبة لأجل أن هذه الألفاظ إنما دخلت على هذه المعاني بحسب وضع العرب واصطلاحاتهم، وما جعل بجعل جاعل وفعل فاعل فلا بد وأن يكون محدثا ومخلوقا الجواب: أن كل هذه الوجوه التي ذكرتموها عائدة إلى اللغات وإلى الحروف والكلمات، وهي عندنا محدثة مخلوقة، إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر سوى هذه الألفاظ والله أعلم.
المسألة الثانية: ذهب أكثر المتكلمين إلى أنه يجب على المكلف تنزيل ألفاظ القرآن على المعاني التي هي موضوعة لها بحسب اللغة العربية، فأما حملها على معان أخر لا بهذا الطريق فهذا باطل قطعا، وذلك مثل الوجوه التي يذكرها أهل الباطن، مثل أنهم تارة يحملون الحروف على حساب الجمل وتارة يحملون كل حرف على شيء آخر، وللصوفية طرق كثيرة في الباب ويسمونها علم المكاشفة والذي يدلل على فساد تلك الوجوه بأسرها قوله تعالى: * (قرآنا عربيا) * وإنما سماه عربيا لكونه دالا على هذه المعاني المخصوصة بوضع العرب وباصطلاحاتهم، وذلك يدل على أن دلالة هذه الألفاظ لم تحصل إلا على تلك المعاني المخصوصة، وأن ما سواه فهو باطل.
المسألة الثالثة: ذهب قم إلى أنه حصل في القرآن من سائر اللغات كقوله * (استبرق) * (الكهف: 31) و * (سجيل) * (هود: 82) فإنهما فارسيان، وقوله * (مشكاة) * (النور: 35) فإنها من لغة الحبشة وقوله * (قسطاس) * (الإسراء: 35) فإنه من لغة الروم والذي يدل على فساد هذا المذهب قوله * (قرآنا عربيا) *، وقوله * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4).
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة لفظ الإيمان والكفر والصلاة والزكاة والصوم والحج ألفاظ شرعية لا لغوية، والمعنى أن الشرع نقل هذه الألفاظ عن مسمياتها اللغوية الأصلية إلى مسميات أخرى، وعندنا أن هذا باطل، وليس للشرع تصرف في هذه الألفاظ عن مسمياتها إلا