أما قوله * (أيود أحدكم) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: الود، هو المحبة الكاملة.
المسألة الثانية: الهمزة في * (أيود) * استفهام لأجل الإنكار، وإنما قال: * (أيود) * ولم يقل أيريد لأنا ذكرنا أن المودة هي المحبة التامة ومعلوم أن محبة كل أحد لعدم هذه الحالة محبة كاملة تامة فلما كان الحاصل هو مودة عدم هذه الحالة ذكر هذا اللفظ في جانب الثبوت فقال: * (أيود أحدكم) * حصول مثل هذه الحالة تنبيها على الإنكار التام، والنفرة البالغة إلى الحد الذي لا مرتبة فوقه.
أما قوله * (جنة من نخيل وأعناب) * فاعلم أن الله تعالى وصف هذه الجنة بصفات ثلاث:
الصفة الأول: كونها من نخيل وأعناب، واعلم أن الجنة تكون محتوية على النخيل والأعناب، ولا تكون الجنة من النخيل والأعناب إلا أن بسبب كثرة النخيل والأعناب، صار كأن الجنة إنما تكون من النخيل والأعناب، وإنما خص النخيل والأعناب بالذكر لأنهما أشرف الفواكه ولأنهما أحسن الفواكه مناظر حين تكون باقية على أشجارها.
والصفة الثانية: قوله * (تجري من تحتها الأنهار) * ولا شك أن هذا سبب لزيادة الحسن في هذه الجنة.
الصفة الثالثة: قوله * (له فيها من كل الثمرات) * ولا شك أن هذا يكون سببا لكمال حال هذا البستان فهذه هي الصفات الثلاثة التي وصف الله تعالى هذه الجنة بها، ولا شك أن هذه الجنة تكون في غاية الحسن، لأنها مع هذه الصفات حسنة الرؤية والمنظر كثيرة النفع والريع، ولا تمكن الزيادة في حسن الجنة على ذلك، ثم إنه تعالى بعد ذلك شرع في بيان شدة حاجة المالك إلى هذه الجنة، فقال: * (وأصابه الكبر) * وذلك لأنه إذا صار كبيرا، وعجز عن الاكتساب كثرت جهات حاجاته في مطعمه، وملبسه، ومسكنه، ومن يقوم بخدمته، وتحصيل مصالحه، فإذا تزايدت جهات الحاجات وتناقصت جهات الدخل والكسب، إلا من تلك الجنة، فحينئذ يكون في نهاية الاحتياج إلى تلك الجنة.
فإن قيل: كيف عطف * (وأصابه) * على * (أيود) * وكيف يجوز عطف الماضي على المستقبل.
قلنا الجواب عنه من وجوه الأول: قال صاحب " الكشاف " * (الواو) * للحال لا للعطف، ومعناه * (أيود أحدكم أن تكون له جنة) * حال ما أصابه الكبر ثم إنها تحرق.
والجواب الثاني: قال الفراء: وددت أن يكون كذا ووددت لو كان كذا فحمل العطف على المعنى، كأنه قيل: أيود أحدكم إن كان له جنة وأصابه الكبر.
ثم إنه تعالى زاد في بيان احتياج