عن المؤمنين في آخر هذه السورة * (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) * (آل عمران: 194) ومن الناس من قال: لا يبعد ورود هذا على طريقة العدول في الكلام من الغيبة إلى الحضور، ومثله في كتاب الله تعالى كثير، قال تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) * (يونس: 22).
فإن قيل: فلم قالوا في هذه الآية * (إن الله لا يخلف الميعاد) * وقالوا في تلك الآية * (إنك لا تخلف الميعاد) *.
قلت: الفرق والله أعلم أن هذه الآية في مقام الهيبة، يعني أن الإلهية تقتضي الحشر والنشر لينتصف المظلومين من الظالمين، فكان ذكره باسمه الأعظم أولى في هذا المقام، أما قوله في آخر السورة * (إنك لا تخلف الميعاد) * (آل عمران: 194) فذاك المقام مقام طلب العبد من ربه أن ينعم عليه بفضله، وأن يتجاوز عن سيئاته فلم يكن المقام مقام الهيبة، فلا جرم قال: * (إنك لا تخلف الميعاد) *.
المسألة الثالثة: احتج الجبائي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق، قال: وذلك لأن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، بدليل قوله تعالى: * (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) * (الأعراف: 44) والوعد والموعد والميعاد واحد، وقد أخبر في هذه الآية أنه لا يخلف الميعاد فكان هذا دليلا على أنه لا يخلف في الوعيد.
والجواب: لا نسلم أنه تعالى يوعد الفساق مطلقا، بل ذلك الوعيد عندنا مشروط بشرط عدم العفو، كما أنه بالاتفاق مشروط بشرط عدم التوبة، فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل، فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل، سلمنا أنه يوعدهم، ولكن لا نسلم أن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، أما قوله تعالى: * (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) *.
قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك كما في قوله * (فبشرهم بعذاب أليم) * (آل عمران: 21) وقوله * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * (الدخان: 49) وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله، فكان المراد من الوعد تلك المنافع، وتمام الكلام في مسألة الوعيد قد مر في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (بل من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (البقرة: 81) وذكر الواحدي في البسيط طريقة أخرى، فقال: لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء، دون وعيد الأعداء، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب، قال: والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك، قال الشاعر:
إذ وعد السراء أنجز وعده وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه