وأهل الخيل كلهم كانوا دارعين وهم مائة نفر، وكان في الرجال دروع سوى ذلك، وكان المسلمون ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا بين كل أربعة منهم بعير، ومعهم من الدروع ستة، ومن الخيل فرسان، ولا شك أن في غلبة المسلمين للكفار على هذه الصفة آية بينة ومعجزة قاهرة.
واعلم أن العلماء ذكروا في تفسير كون تلك الواقعة آية بينة وجوها الأول: أن المسلمين كان قد اجتمع فيهم من أسباب الضعف عن المقاومة أمور، منها: قل العدد، ومنها: أنهم خرجوا غير قاصدين للحرب فلم يتأهبوا، ومنها قلة السلاح والفرس، ومنها أن ذلك ابتداء غارة في الحرب لأنها أول غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد حصل للمشركين أضداد هذه المعاني منها: كثرة العدد، ومنها أنهم خرجوا متأهبين للحرب، ومنها كثرة سلاحهم وخيلهم، ومنها أن أولئك الأقوام كانوا ممارسين للمحاربة، والمقاتلة في الأزمنة الماضية، وإذا كان كذلك فلم تجر العادة أن مثل هؤلاء العدد في القلة والضعف وعدم السلاح وقلة المعرفة بأمر المحاربة يغلبون مثل ذلك الجمع الكثير مع كثرة سلاحهم وتأهبهم للمحاربة، ولما كان ذلك خارجا عن العادة كان معجزا.
والوجه الثاني: في كون هذه الواقعة آية أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أخبر قومه بأن الله ينصره على قريش بقوله * (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) * (الأنفال: 7) يعني جمع قريش أو عير أبي سفيان، وكان قد أخبر قبل الحرب بأن هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فلما وجد مخبر خبره في المستقبل على وفق خبره كان ذلك إخبارا عن الغيب، فكان معجزا.
والوجه الثالث: في بيان كون هذه الواقعة آية ما ذكره تعالى بعد هذه الآية، وهو قوله تعالى: * (يرونهم مثليهم رأي العين) * والأصح في تفسير هذه الآية أن الرائين هم المشركون والمرئيين هم المؤمنون، والمعنى أن المشركين كانوا يرون المؤمنون مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين وهو ستمائة، وذلك معجز.
فإن قيل: تجويز رؤية ما ليس بموجود يفضي إلى السفسطة.
قلنا: نحمل الرؤية على الظن والحسبان، وذلك لأن من اشتد خوفه قد يظن في الجمع القليل أنهم في غاية الكثرة، وإما أن نقول إن الله تعالى أنزل الملائكة حتى صار عسكر المسلمين كثيرين والجواب الأول أقرب، لأن الكلام مقتصر على الفئتين ولم يدخل فيهما قصة الملائكة.
والوجه الرابع: في بيان كون هذه القصة آية، قال الحسن: إن الله تعالى أمد رسوله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة بخمسة آلاف من الملائكة لأنه قال: * (فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف) * (الأنفال: 9)