الله توبتنا؟ صلح أن يجيب بقوله: فإني قريب أي فأنا القريب بالنظر لهم والتجاوز عنهم وقبول التوبة منهم، فثبت أن هذا الجواب مطابق للسؤال على جميع التقديرات.
المسألة الثانية: الآية تدل على أنه إنما يعرف بحدوث تلك الأشياء على وفق غرض الداعي فدل على أنه لولا مدبر لهذا العالم يسمع دعاءه ولم يخيب رجاءه وإلا لما حصل ذلك المقصود في ذلك الوقت.
واعلم أن قوله تعالى: * (فإني قريب) * فيه سر عقلي وذلك لأن اتصاف ماهيات الممكنات بوجوداتها إنما كان بإيجاد الصانع، فكان إيجاد الصانع كالمتوسط بين ماهيات الممكنات وبين وجوداتها فكان الصانع أقرب إلى ماهية كل ممكن من وجود تلك الماهية إليها، بل ههنا كلام أعلى من ذلك وهو أن الصانع هو الذي لأجله صارت ماهيات الممكنات موجودة فهو أيضا لأجله كان الجوهر جوهرا والسواد سوادا والعقل عقلا والنفس نفسا، فكما أن بتأثيره وتكوينه صارت الماهيات موجودة فكذلك بتأثيره وتكوينه صارت كل ماهية تلك الماهية، فعلى قياس ما سبق كان الصانع أقرب إلى كل ماهية من تلك الماهية إلى نفسها، فإن قيل: تكوين الماهية ممتنع لأنه لا يعقل جعل السواد سوادا فنقول؛ فكذلك أيضا لا يمكن جعل الوجود وجودا لأنه ماهية، ولا يمكن جعل الموصوفية دالة للماهية فإذن الماهية ليست بالفاعل، والوجود ماهية أيضا فلا يكون بالفاعل، وموصوفية الماهية بالوجود هو أيضا ماهية فلا تكون بالفاعل، فإذن لم يقع شيء البتة بالفاعل، وذلك باطل ظاهر البطلان، فإذن وجب الحكم بأن الكل بالفاعل، وعند ذلك يظهر الكلام الذي قررناه.
أما قوله تعالى: * (أجيب دعوة الداع إذا دعان) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو وقالون عن نافع * (الداعي إذا دعاني) * بإثبات الياء فيهما في الوصل والباقون بحذفها فالأولى على الوصل والثانية على التخفيف.
المسألة الثانية: قال أبو سليمان الخطابي: الدعاء مصدر من قولك: دعوت الشيء أدعوه دعاء ثم أقاموا المصدر مقام الاسم تقول: سمعت دعاء كما تقول سمعت صوتا وقد يوضع المصدر موضع الاسم كقولهم: رجل عدل. وحقيقة الدعاء استدعاء العبد ربه جل جلاله العناية واستمداده إياه المعونة. وأقول: اختلف الناس في الدعاء، فقال بعض الجهال الدعاء شيء عديم الفائدة، واحتجوا عليه من وجوه أحدها: أن المطلوب بالدعاء إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى كان واجب