الوجه السابع: في التأويل ما حكاه القفال في " تفسيره " عن أبي العالية، وهو أن الإتيان في الظلل مضاف إلى الملائكة؛ فأما المضاف إلى الله جل جلاله فهو الإتيان فقط، فكان حمل الكلام على التقديم والتأخير، ويستشهد في صحته بقراءة من قرأ * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام) * قال القفال رحمه الله: هذا التأويل مستنكر.
أما قوله: * (في ظلل من الغمام) * فاعلم أن * (الظلل) * جمع ظلة، وهي ما أظلك الله به، * (والغمام) * لا يكون كذلك إلا إذا كان مجتمعا متراكما، فالظلل من الغمام عبارة عن قطع متفرقة كل قطعة منها تكون في غاية الكثافة والعظم، فكل قطعة ظلة، والجمع ظلل، قال تعالى: * (وإذا غشيهم موج كالظلل) * (لقمان: 32) وقرأ بعضهم: * (إلا أن يأتيهم الله في ظلال من الغمام) * فيحتمل أن يكون الظلال جمع ظلة، كقلال وقلة، وأن يكون جمع ظل.
إذا عرفت هذا فنقول: المعنى ما ينظرون إلا أن يأتيهم قهر الله وعذابه في ظلل من الغمام.
فإن قيل: ولم يأتيهم العذاب في الغمام؟.
قلنا: لوجوه أحدها: أن الغمام مظنة الرحمة، فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع، لأن السر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أهول وأفظع، كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أكثر تأثيرا في السرور، فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير، ومن هذا اشتد على المتفكرين في كتاب الله تعالى قوله: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * (الزمر: 47) وثانيها: أن نزول الغمام علامة لظهور ما يكون أشد الأهوال في القيامة قال تعالى: * (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا * الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا) * (الفرقان: 25 - 26) وثالثها: أن الغمام تنزل عنه قطرات كثيرة غير محصورة ولا محدودة، فكذا هذا الغمام ينزل عنه قطرات العذاب نزولا غير محصور.
أما قوله تعالى: * (والملائكة) * فهو عطف على ما سبق، والتقدير: وتأتيهم الملائكة وإتيان الملائكة يمكن أن يحمل على الحقيقة فوجب حمله عليها فصار المعنى أن يأتي أمر الله وآياته والملائكة مع ذلك يأتون ليقوموا بما أمروا به من إهانة أو تعذيب أو غيرهما من أحكام يوم القيامة.
أما قوله تعالى: * (وقضي الأمر) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: المعنى أنه فرغ ما كانوا يوعدون به فعند ذلك لا تقال لهم عثرة لهم ولا تصرف عنهم عقوبة ولا ينفع في دفع ما نزل بهم حيلة.