لا يعدوهم إلى غيرهم. وثالثها: أن الشعور علم الشيء إذا حصل بالحس، ومشاعر الإنسان حواسه، والمعنى أن لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس، لكنهم لتماديهم في الغفلة كالذي لا يحس.
أما قوله تعالى: * (في قلوبهم مرض) * فاعلم أن المرض صفة توجب وقوع الضرر في الأفعال الصادرة عن موضع تلك الصفة، ولما كان الأثر الخاص بالقلب إنما هو معرفة الله تعالى وطاعته وعبوديته، فإذا وقع في القلب من الصفات ما صار مانعا من هذه الآثار كانت تلك الصفات أمراضا للقلب. فإن قيل: الزيادة من جنس المزيد عليه، فلو كان المراد من المرض ههنا الكفر والجهل لكان قوله: * (فزادهم الله مرضا) * محمولا على الكفر والجهل، فيلزم أن يكون الله تعالى فاعلا للكفر والجهل. قالت المعتزلة: لا يجوز أن يكون مراد الله تعالى منه فعل الكفر والجهل لوجوه: أحدها: أن الكفار كانوا في غاية الحرص على الطعن في القرآن، فلو كان المعنى ذلك لقالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: إذا فعل الله الكفر فينا، فكيف تأمرنا بالإيمان؟ وثانيها: أنه تعالى لو كان فاعلا للكفر لجاز منه إظهار المعجزة على يد الكذاب، فكان لا يبقى كون القرآن حجة فكيف نتشاغل بمعانيه وتفسيره. وثالثها: أنه تعالى ذكر هذه الآيات في معرض الذم لهم على كفرهم فكيف يذمهم على شيء خلقه فيهم. ورابعها: قوله: * (ولهم عذاب أليم) * فإن كان الله تعالى خلق ذلك فيهم كما خلق لونهم وطولهم، فأي ذنب لهم حتى يعذبهم؟ وخامسها: أنه تعالى أضافه إليهم بقوله: * (بما كانوا يكذبون) * وعلى هذا وصفهم تعالى بأنهم مفسدون في الأرض، وأنهم هم السفهاء، وأنهم إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، إذا ثبت هذا فنقول: لا بد من التأويل وهو من وجوه: الأول: يحمل المرض على الغم، لأنه يقال مرض قلبي من أمر كذا، والمعنى أن المنافقين مرضت قلوبهم لما رأوا ثبات أمر النبي صلى الله عليه وسلم واستعلاء شأنه يوما فيوما. وذلك كان يؤثر في زوال رياستهم، كما روي أنه عليه السلام مر بعبد الله بن أبي بن سلول على حمار، فقال له نح حمارك يا محمد فقد آذتني ريحه، فقال له بعض الأنصار اعذره يا رسول الله، فقد كنا عزمنا على أن نتوجه الرياسة قبل أن تقدم علينا: فهؤلاء لما اشتد عليهم الغم وصف الله تعالى ذلك فقال: * (فزادهم الله مرضا) * أي زادهم الله غما على غمهم بما يزيد في إعلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم شأنه. الثاني: أن مرضهم وكفرهم كان يزداد بسبب ازدياد التكاليف، فهو كقوله تعالى في سورة التوبة: * (فزادهم رجسا إلى رجسهم) * (التوبة: 125) والسورة لم تفعل ذلك، ولكنهم لما ازدادوا رجسا عند نزولها لما كفروا بها قيل ذلك، وكقوله تعالى حكاية عن نوح * (إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) * (نوح: 5 ، 6) والدعاء لم يفعل شيئا من هذا، ولكنهم ازدادوا فرارا عنده، وقال: * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) * (التوبة: 49) والنبي عليه السلام إن لم يأذن له لم يفتنه، ولكنه كان يفتتن عند خروجه فنسبت الفتنة إليه * (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * (المادة: 64) وقال: * (فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا) * (فاطر: 42) وقولك لمن وعظته فلم يتعظ وتمادى في فساده: ما زادتك موعظتي إلا