أن يجعل الأرض أو بعضها لهم إن كان ذلك صلاحا فكأنهم قالوا: يا إلهنا اجعل الأرض لنا لا لهم كما قال موسى عليه السلام: * (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * (الأعراف: 155) والمعنى لا تهلكنا فقال تعالى: * (إني أعلم ما لا تعلمون) * من صلاحكم وصلاح هؤلاء الذين أجعلهم في الأرض فبين ذلك أنه اختار لهم السماء خاصة ولهؤلاء الأرض خاصة لعلمه بصلاح ذلك في أديانهم ليرضى كل فريق بما اختاره الله له. وسادسها: أنهم طلبوا الحكمة التي لأجلها خلقهم مع هذا الفساد والقتل، وسابعها: قال القفال يحتمل أن الله تعالى لما أخبرهم أنه يجعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها، أي ستفعل ذلك فهو إيجاب خرج مخرج الاستفهام قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح أي أنتم كذلك. ولو كان استفهاما لم يكن مدحا، ثم قالت الملائكة إنك تفعل ذلك ونحن مع هذا نسبح بحمدك ونقدس لما أنا نعلم أنك لا تفعل إلا الصواب والحكمة فلما قالوا ذلك قال الله تعالى لهم: * (إني أعلم ما لا تعلمون) * كأنه قال والله أعلم نعم ما فعلتم حيث لم تجعلوا ذلك قادحا في حكمتي فإني أعلم ما لا تعلمون فأنتم علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل وما علمتم باطنهم وأنا أعلم ظاهرهم وباطنهم فأعلم من بواطنهم أسرارا خفية وحكما بالغة تقتضي خلقهم وإيجادهم. أما الوجه الثاني: وهو أنهم ذكروا بني آدم بما لا ينبغي وهو الغيبة، فالجواب أن محل الإشكال في خلق بني آدم إقدامهم على الفساد والقتل، ومن أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الإشكال لا لغيره فلهذا السبب ذكروا من بني آدم هاتين الصفتين وما ذكروا منهم عبادتهم وتوحيدهم لأن ذلك ليس محل الإشكال. أما الوجه الثالث: وهو أنهم مدحوا أنفسهم وذلك يوجب العجب وتزكية النفس. فالجواب: أن مدح النفس غير ممنوع منه مطلقا لقوله: * (وأما بنعمة ربك فحدث) * وأيضا فيحتمل أن يكون قولهم: * (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) * ليس المراد مدح النفس، بل المراد بيان أن هذا السؤال ما أوردناه لنقدح به في حكمتك يا رب فإنا نسبح بحمدك ونعترف لك بالإلهية والحكمة فكأن الغرض من ذلك بيان أنهم ما أوردوا السؤال للطعن في الحكمة والإلهية. بل لطلب وجه الحكمة على سبيل التفصيل، أما الوجه الرابع: وهو أن قولهم: * (لا علم لنا إلا ما علمتنا) * يشبه الاعتذار فلا بد من سبق الذنب، قلنا نحن نسلم أن الأولى للملائكة أن لا يوردوا ذلك السؤال، فلما تركوا هذا الأولى كان ذلك الاعتذار اعتذارا من ترك الأولى فإن قيل أليس أنه تعالى قال: * (لا يسبقونه بالقول) * (الأنبياء: 27) فهذا السؤال وجب أن يكون بإذن الله تعالى، وإذا كانوا مأذونين في هذا السؤال فكيف اعتذروا عنه؟ قلنا العام قد يتطرق إليه التخصيص. أما الوجه الخامس: وهو أن إخبار الملائكة عن الفساد وسفك الدماء، إما أن يكون حصل عن الوحي أو قالوه استنباطا وظنا، قلنا اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال: إنهم ذكروا ذلك ظنا ثم ذكروا فيه وجهين: الأول: وهو مروي عن ابن عباس والكلبي أنهم قاسوه