من مطول مشقوق وغير مشقوق، كالأرز والشعير، ومدور ومثلث ومربع، وغير ذلك على اختلاف أشكاله إذا وقع في الأرض الندية واستولى عليه الماء والتراب، فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد، لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة، ففيهما جميعا أولى، ثم إنه لا يفسد بل يبقى محفوظا، ثم إذا ازدادت الرطوبة تنفلق الحبة فلقتين فيخرج منها ورقتان، وأما المطول فيظهر في رأسه ثقب وتظهر الورقة الطويلة كما في الزرع، وأما النوى فما فيه من الصلابة العظيمة التي بسببها يعجز عن فلقه أكثر الناس إذا وقع في الأرض الندية ينفلق بإذن الله، ونواة التمر تنفلق من نقرة على ظهرها ويصير مجموع النواة من نصفين يخرج من أحد النصفين الجزء الصاعد، ومن الثاني الجزء الهابط، أما الصاعد فيصعد، وأما الهابط فيغوص في أعماق الأرض، والحاصل أنه يخرج من النواة الصغيرة شجرتان: إحداهما: خفيف صاعد، والأخرى ثقيل هابط مع اتحاد العنصر واتحاد طبع النواة والماء والهواء والتربة أفلا يدل ذلك على قدرة كاملة وحكمة شاملة فهذا القادر كيف يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء. ونظيره قوله تعالى في الحج: * (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * (الحج: 5) وثالثها: قوله تعالى: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون؟) * (الواقعة: 68، 69) وتقديره أن الماء جسم ثقيل بالطبع، وإصعاد الثقيل أمر على خلاف الطبع، فلا بد من قادر قاهر يقهر الطبع ويبطل الخاصية ويصعد ما من شأنه الهبوط والنزول. وثانيها: أن تلك الذرات المائية اجتمعت بعد تفرقها. وثالثها: تسييرها بالرياح ورابعها: إنزالها في مظان الحاجة والأرض الجرز، وكل ذلك يدل على جواز الحشر. أما صعود الثقيل فلأنه قلب الطبيعة، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يظهر الحياة والرطوبة من حساوة التراب والماء؟ والثاني: لما قدر على جمع تلك الذرات المائية بعد تفرقها فلم لا يجوز جمع الأجزاء الترابية بعد تفرقها؟ والثالث: تسيير الرياح فإذا قدر على تحريك الرياح التي تضم بعض تلك الأجزاء المتجانسة إلى بعض فلم لا يجوز ههنا؟ والرابع: أنه تعالى أنشأ السحاب لحاجة الناس إليه فههنا الحاجة إلى إنشاء المكلفين مرة أخرى ليصلوا إلى ما استحقوه من الثواب والعقاب أولى واعلم أن الله تعالى عبر عن هذه الدلالة في موضع آخر من كتابه فقال في الأعراف لما ذكر دلالة التوحيد: * (إن ربكم الله الذي) * إلى قوله: * (قريب من المحسنين) * (الأعراف: 56) ثم ذكر دليل الحشر فقال: * (وهو الذي يرسل الرياح) * إلى قوله: * (كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) * (الأعراف: 57) ورابعها: قوله: * (أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) * وجه الاستدلال أن النار صاعدة والشجرة هابطة، وأيضا النار لطيفة، والشجرة كثيفة. وأيضا النار نورانية والشجرة ظلمانية، والنار حارة يابسة والشجرة باردة رطبة، فإذا أمسك الله تعالى في داخل تلك الشجرة الأجزاء النورانية النارية فقد جمع بقدرته بين هذه الأشياء المتنافرة، فإذا لم يعجز عن ذلك فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها؟ والله تعالى ذكر هذه الدلالة في سورة يس فقال: * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) * (يس: 58).
(١٢٤)