* (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) * يقول تعالى ذكره: الذين يحملون عرش الله من ملائكته، ومن حول عرشه، ممن يحف به من الملائكة يسبحون بحمد ربهم يقول: يصلون لربهم بحمده وشكره ويؤمنون به يقول: ويقرون بالله أنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك، لا يستكبرون عن عبادته ويستغفرون للذين آمنوا يقول: ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقروا بمثل إقرارهم من توحيد الله، والبراءة من كل معبود سواه ذنوبهم، فيعفوها عنهم، كما:
23341 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
ويستغفرون للذين آمنوا لأهل لا إله إلا الله.
وقوله: ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما، وفي هذا الكلام محذوف، وهو يقولون ومعنى الكلام ويستغفرون للذين آمنوا يقولون: يا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما. ويعني بقوله: وسعت كل شئ رحمة وعلما: وسعت رحمتك وعلمك كل شئ من خلقك، فعلمت كل شئ، فلم يخف عليك شئ، ورحمت خلقك، ووسعتهم برحمتك.
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب الرحمة والعلم، فقال بعض نحويي البصرة:
انتصاب ذلك كانتصاب لك مثله عبدا، لأنك قد جعلت وسعت كل شئ، وهو مفعول له، والفاعل التاء، وجاء بالرحمة والعلم تفسيرا، وقد شغلت عنهما الفعل كما شغلت المثل بالهاء، فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل وقال غيره: هو من المنقول، وهو مفسر، وسعت رحمته وعلمه، ووسع هو كل شئ رحمة، كما تقول: طابت به نفسي، وطبت به نفسا، وقال: أمالك مثله عبدا، فإن المقادير لا تكون إلا معلومة مثل عندي رطل زيتا، والمثل غير معلوم، ولكن لفظه لفظ المعرفة والعبد نكرة، فلذلك نصب العبد، وله أن يرفع، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:
ما في معد والقبائل كلها * قحطان مثلك واحد معدود