وقد بينا معنى الاسراف فيما مضى قبل بما فيه الكفاية من إعادته في هذا الموضع.
وإنما اخترنا في تأويل ذلك في هذا الموضع ما اخترنا، لان قائل هذا القول لفرعون وقومه، إنما قصد فرعون به لكفره، وما كان هم به من قتل موسى، وكان فرعون عاليا عاتيا في كفره سفاكا للدماء التي كان محرما عليه سفكها، وكل ذلك من الاسراف، فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) *.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وقومه: فستذكرون أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حل بكم، ولقيتم ما لقيتموه صدق ما أقول، وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار، كما:
23420 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
فستذكرون ما أقول لكم، فقلت له: أو ذلك في الآخرة؟ قال: نعم.
وقوله: وأفوض أمري إلى الله يقول: وأسلم أمري إلى الله، وأجعله إليه وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23421 حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي وأفوض أمري إلى الله قال: أجعل أمري إلى الله.
وقوله: إن الله بصير بالعباد يقول: إن الله عالم بأمور عباده، ومن المطيع منهم، والعاصي له، والمستحق جميل الثواب، والمستوجب سيئ العقاب.
وقوله: فوقاه الله سيئات ما مكروا يقول تعالى ذكره: فدفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى، مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء، فنجاه منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23422 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سيئات ما مكروا قال: وكان قبطيا من قوم فرعون، فنجا مع موسى، قال: وذكر لنا أنه بين يدي