وقوله: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار يقول: كما طبع الله على قلوب المسرفين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله أن يوحده، ويصدق رسله. جبار: يعني متعظم عن اتباع الحق.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار، خلا أبي عمرو بن العلاء، على: كل قلب متكبر بإضافة القلب إلى المتكبر، بمعنى الخبر عن أن الله طبع على قلوب المتكبرين كلها ومن كان ذلك قراءته، كان قوله جبار. من نعت متكبر.
وقد روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار.
23399 حدثني بذلك ابن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن هارون أنه كذلك في حرف ابن مسعود.
وهذا الذي ذكر عن ابن مسعود من قراءته يحقق قراءة من قرأ ذلك بإضافة قلب إلى المتكبر، لان تقديم كل قبل القلب وتأخيرها بعده لا يغير المعنى، بل معنى ذلك في الحالتين واحد. وقد حكي عن بعض العرب سماعا: هو يرجل شعره يوم كل جمعة، يعني: كل يوم جمعة. وأما أبو عمرو فقرأ ذلك بتنوين القلب وترك إضافته إلى متكبر، وجعل المتكبر والجبار من صفة القلب.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بإضافة القلب إلى المتكبر، لان التكبر فعل الفاعل بقلبه، كما أن القاتل إذا قتل قتيلا وإن كان قتله بيده، فإن الفعل مضاف إليه، وإنما القلب جارحة من جوارح المتكبر. وإن كان بها التكبر، فإن الفعل إلى فاعله مضاف، نظير الذي قلنا في القتل، وذلك وإن كان كما قلنا، فإن الأخرى غير مدفوعة، لان العرب لا تمنع أن تقول: بطشت يد فلان، ورأت عيناه كذا، وفهم قلبه، فتضيف الأفعال إلى الجوارح، وإن كانت في الحقيقة لأصحابها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب) *.