كان كما قال من قال ذلك: لقيل: ليس عليكم حرج أن تأكلوا من طعام غير من أضافكم، أو من طعام آباء من دعاكم، ولم يقل: أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم. وكذلك لا وجه لقول من قال: معنى ذلك: ليس على الأعمى حرج في التخلف عن الجهاد في سبيل الله، لان قوله: أن تأكلوا خبر ليس، وأن في موضع نصب على أنها خبر لها، فهي متعلقة ب ليس، فمعلوم بذلك أن معنى الكلام: ليس على الأعمى حرج أن يأكل من بيته، ولا ما قاله الذين ذكرنا من أنه لا حرج عليه في التخلف عن الجهاد. فإذ كان الامر في ذلك على ما وصفنا، تبين أن معنى الكلام: لا ضيق على الأعمى، ولا على الأعرج، ولا على المريض، ولا عليكم أيها الناس، أن تأكلوا من بيوت أنفسكم أو من بيوت آبائكم أو من بيوت أمهاتكم أو من بيوت إخوانكم أو من بيوت أخواتكم أو من بيوت أعمامكم أو من بيوت عماتكم أو من بيوت أخوالكم أو من بيوت خالاتكم أو من البيوت التي ملكتم مفاتحها أو من بيوت صديقكم، إذا أذنوا لكم في ذلك، عند مغيبهم ومشهدهم. والمفاتح:
الخزائن، واحدها: مفتح إذا أريد به المصدر، وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها، فهي مفتح ومفاتح وهي ها هنا على التأويل الذي اخترناه جمع مفتح الذي يفتح به. وكان قتادة يتأول في قوله: أو صديقكم،] ما حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة: أو صديقكم فلو أكلت من بيت صديقك من غير أمره، لم يكن بذلك بأس. قال معمر: قلت لقتادة: أولا أشرب من هذا الحب؟ قال: أنت لي صديق.
وأما قوله: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: كان الغني من الناس يتخوف أن يأكل مع الفقير، فرخص لهم في الأكل معهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا قال: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصديقه، فيدعوه إلى طعامه ليأكل معه، فيقول: والله إني لأجنح أن آكل معك والجنح: الحرج وأنا غني وأنت فقير فأمروا أن يأكلوا جميعا أو أشتاتا.
وقال آخرون: بل عني بذلك حي من أحياء العرب، كانوا لا يأكل أحدهم وحده ولا