وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في شأن عائشة، والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفه الله بها فيها.
وإنما قلنا ذلك أولى تأويلاته بالصواب، لان الله عم بقوله: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات كل محصنة غافلة مؤمنة رماها رام بالفاحشة، من غير أن يحض بذلك بعضا دون بعض، فكل رام محصنة بالصفة التي ذكر الله جل ثناؤه في هذه الآية فملعون في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم، إلا أن يتوب من ذنبه ذلك قبل وفاته، فإن الله دل باستثنائه بقوله: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا على أن ذلك حكم رامي كل محصنة بأي صفة كانت المحصنة المؤمنة المرمية، وعلى أن قوله: لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم معناه: لهم ذلك إن هلكوا ولم يتوبوا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) *.
يقول تعالى ذكره: ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم ف اليوم الذي في قوله: يوم تشهد عليهم من صلة قوله: ولهم عذاب عظيم. وعني بقوله: يوم تشهد عليهم ألسنتهم يوم القيامة وذلك حين يجحد أحدهما ما اكتسب في الدنيا من الذنوب عند تقرير الله إياه بها، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
فإن قال قائل: وكيف تشهد عليهم ألسنتهم حين يختم على أفواههم؟ قيل: عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد إلى بعض، لا أن ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه. وقد:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو، عن دراج، عن أبي الهيثمي، عن أبي سعيد، عن رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله، فجحد وخاصم، فيقال له: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك، فيقول:
كذبوا فيقول: أهلك وعشيرتك، فيقول: كذبوا فيقول: أتحلفون؟ فيحلفون. ثم يصمتهم الله، وتشهد ألسنتهم، ثم يدخلهم النار. القول في تأويل قوله تعالى: