أجلنا لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الاجل الذي أجلنا لهلاكها والوقت الذي وقتنا لفنائها ولكنها تهلك لمجيئه. وهذا وعيد من الله لمشركي قوم نبينا محمد (ص) وإعلام منه لهم أن تأخيره في آجالهم مع كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ليبلغوا الاجل الذي أجل لهم فيحل بهم نقمته، كسنته فيمن قبلهم من الأمم السالفة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون) *.
يقول تعالى ذكره: ثم أرسلنا إلى الأمم التي أنشأنا بعد ثمود رسلنا تترى يعني: يتبع بعضها بعضا، وبعضها في أثر بعض. وهي من المواترة، وهي اسم لجمع مثل شئ، لا يقال: جاءني فلان تترى، كما لا يقال: جاءني فلان مواترة، وهي تنون ولا تنون، وفيها الياء، فمن لم ينونها فعلى من وترت، ومن قال تترا يوهم أن الياء أصلية كما قيل: معزى بالياء، ومعزا وبهمى بهما ونحو ذلك، فأجريت أحيانا وترك إجراؤها أحيانا، فمن جعلها فعلى وقف عليها، أشاء إلى الكسر، ومن جعلها ألف إعراب لم يشر، لان ألف الاعراب لا تكسر، لا يقال: رأيت زيدا، فيشار فيه إلى الكسر.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ثم أرسلنا رسلنا تترى يقول: يتبع بعضها بعضا.
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ثم أرسلنا رسلنا تترى يقول: بعضها على أثر بعض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: تترى قال: اتباع بعضها بعضا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ثم أرسلنا رسلنا تترى قال: يتبع بعضها بعضا.