وقوله: لا تدعوا اليوم أيها المشركون نما واحدا: أي مرة واحدة، ولكن ادعوا ذلك كثيرا. وإنما قيل: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا لان الثبور مصدر، والمصادر لا تجمع، وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها، كما يقال: قعد قعودا طويلا، وأكل أكلا كثيرا.
حدثنا محمد بن مرزوق، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا علي بن زيد، عن أنس بن مالك، أن رسول الله (ص) قال: أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه، ويسحبها من خلفه، وذريته من خلفه، وهو يقول: يا ثبوراه وهم ينادون: يا ثبورهم حتى يقفوا على النار، وهو يقول: يا ثبوراه وهم ينادون:
يا ثبورهم فيقال: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ئ لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا) *.
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بالساعة: أهذه النار التي وصف لكم ربكم صفتها وصفة أهلها خير، أم بستان الخلد الذي يدوم نعيمه ولا يبيد، الذي وعد من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما أمره ونهاه؟ وقوله: كانت لهم جزاء ومصيرا يقول: كانت جنة الخلد للمتقين جزاء أعمالهم لله في الدنيا بطاعته وثواب تقواهم إياه ومصيرا لهم، يقول ومصيرا للمتقين يصيرون إليها في الآخرة. وقوله: لهم فيها ما يشاءون يقول:
لهؤلاء المتقين في جنة الخلد التي وعدهموها الله، ما يشاءون مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. خالدين فيها، يقول: لابثين فيها ماكثين أبدا، لا يزولون عنها ولا يزول عنهم نعيمها. وقوله: كان على ربك وعدا مسؤولا وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا: آتنا ما وعدتنا على رسلك يقول الله تبارك وتعالى: كان إعطاء الله المؤمنين جنة الخلد التي وصف صفتها في الآخرة، وعدا وعدهم الله على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك.