وقد بينت فيما مضى السحر: أنه تخييل الشئ إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من هيئته، فذلك معنى قوله: فأنى تسحرون إنما معناه: فمن أي وجه يخيل إليكم الكذب حقا والفاسد صحيحا، فتصرفون عن الاقرار بالحق الذي يدعوكم إليه رسولنا محمد (ص).
القول في تأويل قوله تعالى:
* (بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ئ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ئ عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) *.
يقول: ما الامر كما يزعم هؤلاء المشركون بالله من أن الملائكة بنات الله وأن الآلهة والأصنام آلهة دون الله. بل أتيناهم بالحق اليقين، وهو الدين الذي ابتعث الله به نبيه (ص)، وذلك الاسلام، ولا يعبد شئ سوى الله لأنه لا إله غيره. وإنهم لكاذبون يقول: وإن المشركين لكاذبون فيما يضيفون إلى الله وينحلونه من الولد والشريك. وقوله:
ما اتخذ الله من ولد يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته من إله إذا لذهب يقول: إذن لاعتزل كل إله منهم بما خلق من شئ، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم على بعض، وغلب القوي منهم الضعيف لان القوي لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها. فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لمن عقل وتدبر وقوله: إذا لذهب جواب لمحذوف، وهو: لو كان معه إله إذن لذهب كل إله بما خلق اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه عنه، وقوله: سبحان الله عما يصفون يقول تعالى ذكره: تنزيها لله عما يصفه به هؤلاء المشركون من أن له ولدا، وعما قالوه من أن له شريكا، أو أن معه في القدم إلها يعبد، تبارك وتعالى.
وقوله: عالم الغيب والشهادة يقول تعالى ذكره: هو عالم ما غاب عن خلقه من الأشياء، فلم يروه ولم يشاهدوه، وما رأوه وشاهدوه. إنما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من المشركين: اتخذ الله ولدا وعبدوا من دونه آلهة، أنهم فيما يقولون ويفعلون مبطلون مخطئون، فإنهم يقولون ما يقولون من قول في ذلك عن غير علم، بل عن جهل منهم به وإن العالم بقديم الأمور وبحديثها وشاهدها وغائبها عنهم، الله الذي لا يخفى