ثوابه إياهم على أحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا، من فضله، فيفضل عليهم عن عنده بما أحب من كرامته لهم. وقوله: والله يرزق من يشاء بغير حساب يقول تعالى ذكره:
يتفضل على من شاء وأراد من طوله وكرامته، مما لم يستحقه بعمله ولم يبلغه بطاعته بغير حساب يقول: بغير محاسبة على ما بذل له وأعطاه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) *.
وهذا مثل ضربه الله لأعمال أهل الكفر به، فقال: والذين جحدوا توحيد ربهم وكذبوا بهذا القرآن وبمن جاء به، مثل أعمالهم التي عملوها كسراب يقول: مثل سراب، والسراب: ما لصق بالأرض، وذلك يكون نصف النهار وحين يشتد الحر. والآل ما كان كالماء بين السماء والأرض، وذلك يكون أول النهار، يرفع كل شئ ضحى. وقوله:
بقيعة وهي جمع قاع، كالجيرة جمع جار، والقاع: ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب. وقوله: يحسبه الظمآن ماء يقول: يظن العطشان من الناس السراب، ماء. حتى إذا جاءه والهاء من ذكر السراب، والمعنى: حتى إذا جاء الظمآن السراب ملتمسا ماء يستغيث به من عطشه لم يجده شيئا يقول: لم يجد السراب شيئا، فكذلك الكافرون بالله من أعمالهم التي عملوها في غرور يحسبون أنها منجيتهم عند الله من عذابه، كما حسب الظمآن الذي رأى السراب فظنه ماء يرويه من ظمئه حتى إذا هلك وصار إلى الحاجة إلى عمله الذي كان يرى أنه نافعه عند الله، لم يجده ينفعه شيئا لأنه كان عمله على كفر بالله، ووجد الله هذا الكافر ند هلاكه بالمرصاد، فوفاه يوم القيامة حساب أعماله التي عملها في الدنيا وجازاه بها جزاءه الذي يستحقه عليه منه.
فإن قال قائل: وكيف قيل: حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فإن لم يكن السراب شيئا، فعلام أدخلت الهاء في قوله: حتى إذا جاءه؟ قيل: إنه شئ يرى من بعيد كالضباب الذي يرى كثيفا من بعيد والهباء، فإذا قرب منه المرء رق وصار كالهواء. وقد يحتمل أن يكون معناه: حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا، فاكتفى بذكر السراب من ذكر موضعه. والله سريع الحساب يقول: والله سريع حسابه لأنه تعالى ذكره لا يحتاج إلى عقد أصابع ولا حفظ بقلب، ولكنه عالم بذلك كله قبل أن يعمله العبد ومن بعد ما عمله.