العبر، ويعرفوا حجج الله التي احتج بها عليه فيه؟ أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين؟
يقول: أم جاءهم أمر ما لم يأت من قبلهم من أسلافهم، فاستكبروا ذلك وأعرضوا، فقد جاءت الرسل من قبلهم، وأنزلت معهم الكتب. وقد يحتمل أن تكون أم في هذا الموضع بمعنى: بل، فيكون تأويل الكلام: أفلم يدبروا القول؟ بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، فتركوا لذلك التدبر وأعرضوا عنه، إذ لم يكن فيمن سلف من آباءهم ذلك. وقد ذكر عن ابن عباس في نحو هذا القول، ما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين قال: لعمري لقد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، ولكن أو لم يأتهم ما لم يأت آباءهم الأولين.
وقوله: أم لم يعرفوا رسولهم يقول تعالى ذكره: أم لم يعرف هؤلاء المكذبون محمدا، وأنه من أهل الصدق والأمانة، فهم له منكرون يقول: فينكروا قوله، أو لم يعرفوه بالصدق، ويحتجوا بأنهم لا يعرفونه. يقول جل ثناؤه: فكيف يكذبونه وهم يعرفونه فيهم بالصدق والأمانة. أم يقولون به جنة يقول: أيقولون بمحمد جنون، فهو يتكلم بما لا معنى له ولا يفهم ولا يدري ما يقول: بل جاءهم بالحق يقول تعالى ذكره:
فإن يقولوا ذلك فكذبهم في قيلهم ذلك واضح بين وذلك أن المجنون يهذي فيأتي من الكلام بما لا معنى له، ولا يعقل ولا يفهم، والذي جاءهم به محمد هو الحكمة التي لا أحكم منها والحق الذي لا تخفى صحته على ذي فطرة صحيحة، فكيف يجوز أن يقال:
هو كلام مجنون؟ وقوله: وأكثرهم للحق كارهون يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء الكفرة أنهم لم يعرفوا محمدا بالصدق ولا أن محمدا عندهم مجنون، بل قد علموه صادقا محقا فيما يقول وفيما يدعوهم إليه، ولكن أكثرهم للاذعان للحق كارهون ولاتباع محمد ساخطون، حسدا منهم له وبغيا عليه واستكبارا في الأرض. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) *.
يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرب تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون وأجرى