ذنب من أهل الايمان تركه العود منه، والندم على ما سلف منه، واستغفار ربه منه، فيما كان من ذنب بين العبد وبينه دون ما كان من حقوق عباده ومظالمهم بينهم. والقاذف إذا أقيم عليه فيه الحد أو عفي عنه فلم يبق عليه إلا توبته من جرمه بينه وبين ربه، فسبيل توبته منه سبيل توبته من سائر أجرامه. فإذ كان الصحيح في ذلك من القول ما وصفنا، فتأويل الكلام: وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من جرمهم الذي اجترموه بقذفهم المحصنات من بعد اجترامهموه، فإن الله غفور رحيم يقول: ساتر على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، رحيم هم بعد التوبة أن يعذبهم عليها، فاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فسقة، بل سموهم بأسمائهم التي هي لهم في حال توبتهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ئ والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) *.
يقول تعالى ذكره: والذين يرمون من الرجال أزواجهم بالفاحشة، فيقذفونهن بالزنا، ولم يكن لهم شهداء يشهدون لهم بصحة ما رموهن به من الفاحشة، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: أربع شهادات نصبا، ولنصبهم ذلك وجهان: أحدهما: أن تكون الشهادة في قوله: فشهادة أحدهم مرفوعة بمضمر قبلها، وتكون الأربع منصوبا بمعنى الشهادة، فيكون تأويل الكلام حينئذ: فعلى أحدهم أن يشهد أربع شهادات بالله. والوجه الثاني: أن تكون الشهادة مرفوعة بقوله: إنه لمن الصادقين والأربع منصوبة بوقوع الشهادة عليها، كما يقال: شهادتي ألف مرة إنك لرجل سوء وذلك أن العرب ترفع الايمان بأجوبتها، فتقول: حلف صادق لأقومن، وشهادة عمرو ليقعدن. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: أربع شهادات برفع الأربع، ويجعلونها للشهادة مرافعة، وكأنهم وجهوا تأويل الكلام: فالذي يلزم من الشهادة، أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين بنصب أربع، بوقوع الشهادة عليها، والشهادة مرفوعة حينئذ على ما وصفت من الوجهين قبل وأحب وجهيهما إلي أن تكون به مرفوعة بالجواب، وذلك قوله: إنه لمن الصادقين وذلك أن معنى الكلام: والذين يرمون