* (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ئ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين) *.
اختلفت القراء في قراءة قوله: كم لبثتم في الأرض عدد سنين، وفي قوله: لبثنا يوما أو بعض يوم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة على وجه الخبر: قال كم لبثتم، وكذلك قوله: قال إن لبثتم. ووجه هؤلاء تأويل الكلام إلى أن الله قال لهؤلاء الأشقياء من أهل النار وهم في النار: كم لبثتم في الأرض عدد سنين وأنهم أجابوا الله فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم، فنسي الأشقياء، لعظيم ما هم فيه من البلاء والعذاب، مدة مكثهم التي كانت في الدنيا، وقصر عندهم أمد مكثهم الذي كان فيها، لما حل بهم من نقمة الله، حتى حسبوا أنهم لم يكونوا مكثوا فيها إلا يوما أو بعض يوم، ولعل بعضهم كان قد مكث فيها الزمان الطويل والسنين الكثيرة.
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة على وجه الامر لهم بالقول، كأنه قال لهم قولوا كم لبثتم في الأرض؟ وأخرج الكلام مخرج الامر للواحد والمعني به الجماعة، إذ كان مفهوما معناه. وإنما اختار هذه القراءة من اختارها من أهل الكوفة لان ذلك في مصاحفهم: قل بغير ألف، وفي غر مصاحفهم بالألف.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ ذلك: قال كم لبثتم على وجه الخبر، لان وجه الكلام لو كان ذلك أمرا، أن يكون قولوا على وجه الخطاب للجمع لان الخطاب فيما قبل ذلك وبعده جرى لجماعة أهل النار، فالذي هو أولى أن يكون كذلك قوله: قولوا لو كان الكلام جاء على وجه الامر، وإن كان الآخر جائزا، أعني التوحيد، لما بينت من العلة لقارئ ذلك كذلك، وجاء الكلام بالتوحيد في قراءة جميع القراء، كان معلوما أن قراءة ذلك على وجه الخبر عن الواحد أشبه، إذ كان ذلك هو الفصيح المعروف من كلام العرب. فإذا كان ذلك ذلك، فتأويل الكلام: قال الله كم لبثتم في الدنيا من عدد سنين؟ قالوا مجيبين له: لبثنا فيها يوما أو بعض يوم فاسأل العادين، لأنا لا ندري، قد نسينا ذلك.
واختلف أهل التأويل في المعني بالعادين، فقال بعضهم: هم الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصون عليهم ساعاتهم. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني