* (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) *.
يقول تعالى ذكره: وإذا ألقي هؤلاء المكذبون بالساعة من النار مكانا ضيقا، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال دعوا هنالك ثبورا.
واختلف أهل التأويل في معنى الثبور، فقال بعضهم: هو الويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وادعوا ثبورا كثيرا يقول: ويلا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا يقول: لا تدعوا اليوم ويلا واحدا، وادعوا ويلا كثيرا.
وقال آخرون: الثبور الهلاك. ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال:
سمعت الضحاك يقول، في قوله: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا الثبور: الهلاك.
قال أبو جعفر: والثبور في كلام العرب أصله انصراف الرجل عن الشئ، يقال منه:
ما ثبرك عن هذا الامر؟ أي ما صرفك عنه. وهو في هذا الموضع دعاء هؤلاء القوم بالندم على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا والايمان بما جاءهم به نبي الله (ص) حتى استوجبوا العقوبة منه، كما يقول القائل: وا ندامتاه، وا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول في قوله: دعوا هنالك ثبورا أي هلكة، ويقول: هو مصدر من ثبر الرجل: أي أهلك، ويستشهد لقيله في ذلك ببيت ابن الزبعري:
إذ أجاري الشيطان في سنن الغ * ي ومن مال ميله مثبور