وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الثاني، وهو قول من قال: عنى به إيتاءهم سهمهم من الصدقة المفروضة.
وإنما قلنا ذلك أولى القولين لان قوله وآتوهم من مال الله الذي آتاكم أمر من الله تعالى ذكره بإيتاء المكاتبين من ماله الذي آتي أهل الأموال، وأمر الله فرض على عباده الانتهاء إليه، ما لم يخبرهم أن مراده الندب، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا. فإذ كان ذلك كذلك، ولم يكن أخبرنا في كتابه ولا على لسان رسوله (ص) أنه ندب، ففرض واجب.
وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الحجة قد قامت أن لا حق لاحد في مال أحد غيره من المسلمين إلا ما أوجبه الله لأهل سهمان الصدقة في أموال الأغنياء منهم، وكانت الكتابة التي يقتضيها سيد المكاتب من مكاتبه مالا من مال سيد المكاتب فيفاد أن الحق الذي أوجب الله له على المؤمنين أن يؤتوه من أموالهم هو ما فرض على الأغنياء في أموالهم له من الصدقة المفروضة، إذ كان لا حق في أموالهم لاحد سواها. القول في تأويل قوله تعالى:
وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) *.
يقول تعالى ذكره: زوجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء، وهو الزنا إن أردن تحصنا يقول: إن أردن تعففا عن الزنا. لتبتغوا عرض الحياة الدنيا يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهن على الزنا عرض الحياة، وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها. ومن يكرههن يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهن على ذلك، لهم غفور رحيم، ووزر ما كان من ذلك عليهم دونهن.
وذكر أن هذه الآية أنزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول حين أكره أمته مسيكة على الزنا.] ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن الصباح، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مسيكة لبعض الأنصار