وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك لأنه عقيب قوله: ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات، ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين فكان ذلك بأن يكون خبرا عن موقع يقع تنزيله من خلقه ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه، أولى وأشبه، ما لم يأت ما يدل على انقضاء الخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس آيات مبينات الحق من الباطل ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين فهديناكم بها، وبينا لكم معالم دينكم بها، لأني هادي أهل السماوات وأهل الأرض. وترك وصل الكلام باللام، وابتدأ الخبر عن هداية خلقه ابتداء، وفيه المعنى الذي ذكرت، استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره. ثم ابتدأ في الخبر عن مثل هدايته خلقه بالآيات المبينات التي أنزلها إليهم، فقال: مثل نوره كمشكاة فيها مصباح يقول: مثل ما أنار من الحق بهذا التنزيل في بيانه كمشكاة.
وقد اختلف أهل التأويل في المعني بالهاء في قوله: مثل نوره علام هي عائدة؟
ومن ذكر ما هي فقال بعضهم: هي من ذكر المؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور المؤمن الذي في قلبه من الايمان والقرآن مثل مشكاة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، في قول الله:
مثل نوره قال: ذكر نور المؤمن فقال: مثل نوره، يقول: مثل نور المؤمن. قال: وكان أبي يقرؤها كذلك: مثل المؤمن. قال: هو المؤمن قد جعل الايمان والقرآن في صدره.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: الله نور السماوات والأرض مثل نوره قال: بدأ بنور نفسه فذكره، ثم قال: مثل نوره يقول: مثل نور من آمن به. قال: وكذلك كان يقرأ أبي، قال: هو عبد جعل الله القرآن الايمان في صدره.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: مثل نوره قال: مثل نور المؤمن.