أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: إن رسول الله (ص) قد أظل قادما زاح عني الباطل، حتى عرفت أني لن أنجو منه بشئ أبدا، فأجمعت صدقه. وأصبح رسول الله (ص) قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله (ص) علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت، فلما سلمت تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟
قال: قلت يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله (ص): أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك فقمت، وثار رجال من بني سلمة، فاتبعوني وقالوا: والله معلمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله (ص) بما اعتذر به المتخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله (ص) لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني، حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله (ص) فأكذب نفسي. قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله (ص) المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج وأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله (ص) فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي معه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما ر د علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت، قال: فعدت فناشدته فسكت، فعدت