وقد اختلفت أهل العلم بالعربية في معنى هذه اللام التي في قوله: ليضلوا فقال بعض نحويي البصر: معنى ذلك: ربنا فضلوا عن سبيلك، كما قال: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا أي فكان لهم وهم لم يلتقطوه ليكون عدوا وحزنا، وإنما التقطوه فكان لهم. قال: فهذه اللام تجئ في هذا المعنى. وقال بعض نحويي الكوفة: هذه اللام كي ومعنى الكلام: ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم كي يضلوا، ثم دعا عليهم وقال آخر: هذه اللامات في قوله ليضلوا وليكون لهم عدوا، وما أشبهها بتأويل الخفض: آتيتهم ما أتيتهم لضلالهم، والتقطوه لكونه لأنه قد آلت الحالة إلى ذلك. والعرب تجعل لام كي في معنى لام الخفض، ولام الخفض في معنى لام كي لتقارب المعنى، قال الله تعالى: سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم لاعراضكم، ولم يحلفوا لاعراضهم وقال الشاعر:
سموت ولم تكن أهلا لتسمو * ولكن المضيع قد يصاب قال: وإنما يقال: وما كنت أهلا للفعل، ولا يقال لتفعل إلا قليلا. قال: وهذا منه.
والصواب من القول في ذلك عندي: أنها لا م كي، ومعنى الكلام: ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه، ويضلوا عن سبيلك عبادك، عقوبة منك. وهذا كما قال جل ثناؤه: لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه وقوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم هذا دعاء من موسى، دعا الله على فرعون وملئه أن يغير أموالهم عن هيئتها، ويبدلها إلى غير الحال التي هي بها، وذلك نحو قوله: من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها يعني به: من قبل أن نغيرها عن هيئتها التي هي بها، يقال منه: طمست عينه أطمسها وأطمسها طمسا وطموسا، وقد تستعمل العرب الطمس في العفو والدثور وفي الاندقاق والدروس، كما قال كعب بن زهير: