وقرأت قراء الأمصار ذلك: إنه يبدأ الخلق بكسر الألف من إنه على الاستئناف.
وذكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه أنه بفتح الألف من أنه كأنه أراد: حقا أن يبدأ الخلق ثم يعيده، ف أن حينئذ تكون رفعا، كما قال الشاعر:
أحقا عباد الله أن لست زائرا * أبا حبة إلا علي رقيب وقوله: ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط يقول: ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره، ليجزي الذين آمنوا يقول: ليثيب من صدق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال واجتنبوا ما نهاهم عنه على أعمالهم الحسنة بالقسط يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسن من الثواب والصالح من الجزاء في الآخرة، وذلك هو القسط. والقسط العدل والانصاف كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بالقسط بالعدل.
وقوله: والذين كفروا لهم شراب من حميم فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعد الله للذين كفروا من العذاب. وفيه معنى العطف على الأول، لأنه تعالى ذكره عم بالخبر عن معاد جميعهم كفارهم ومؤمنيهم إليه، ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كل فريق بما عمل، المحسن منهم بالاحسان والمسئ بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنف عما أعد للذين كفروا من العذاب ما يدل سامع ذلك على المراد ابتدأ الخبر والمعني العطف، فقال: والذين جحدوا الله ورسوله وكذبوا بآيات الله، لهم شراب في جهنم من حميم، وذلك شراب قد أغلي واشتد حره حتى أنه فيما ذكر عن النبي (ص) ليتساقط من أحدهم حين يدنيه منه فروة رأسه، وكما وصفه جل ثناؤه: كالمهل يشوي الوجوه. وأصله مفعول صرف إلى فعيل، وإنما هو محموم: أي مسخن، وكل مسخن عند العرب فهو حميم، ومنه قول المرقش:
في كل يوم لها مقطرة * فيها كباء معد وحميم