ضروريات الحياة، حيث يستفيد من جلودها لملابسه، ومن حليبها ولحمه لغذائه، ومن جهة أخرى يصنع من جلودها وأصوافها عدة أمور يستفيد منها في حياته، ومن جهة ثالثة يستخدمها كوسيلة لتنقله وحمل أثقاله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج والمقصود من (الأزواج الثمانية) الذكر والأنثى لكل من الإبل والبقر والضأن والمعز، ومن هنا فإن كلمة (زوج) تطلق على كل من الذكر والأنثى، ولهذا فأن عدده يكون ثمانية أزواج. (ولذا في بداية الآية هذه أطلقت كلمة زوج على حواء).
وعبارة أنزل لكم والتي تخص هنا الأنعام الأربعة - كما بينا ذلك من قبل - لا تعني فقط إنزال الشئ من كان عال، وإنما في مثل هذه الحالات تعني (تدني المقام) والنعم من مقام أعلى إلى أدنى.
كما ذكروا احتمالا آخر في أن (إنزال) مشتقة هنا من (نزل) على وزن (رسل) وتعني ضيافة الضيف، أو أول ما يقدم للضيف، ونظير هذا المعنى ورد في الآية (198) من سورة آل عمران بخصوص أهل الجنة، قال تعالى: خالدين فيها نزلا من عند الله.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الأنعام الأربعة مع أنها لم تنزل من مكان أعلى إلى الأرض، فأن مقدمات توفير متطلبات حياتها وتربيتها والتي هي قطرات المطر وأشعة الشمس هي التي تنزل من الأعلى إلى الأرض.
وورد تفسير رابع لهذه العبارة هو أن كل الموجودات كانت من البداية موجودة في خزائن علم وقدرة البارئ عز وجل، أي في علم الغيب، ثم انتقلت من الغيب إلى الشهادة أي إلى (الظهور)، ولهذا أطلقوا على هذا الانتقال عبارة (الإنزال) كما ورد ذلك في الآية (21) في سورة الحجر: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (1).