خلق كل بني آدم من نفس واحدة إشارة إلى مسألة خلق آدم أبي البشر، إذ أن كل البشر وبتنوع خلقتهم وأخلاقهم وطبائعهم واستعداداتهم وأذواقهم المختلفة يعودون في الأصل إلى آدم (عليه السلام) وعبارة: ثم جعل منها زوجها (1) إشارة إلى أن الله خلق آدم في البداية، ثم خلق حواء مما تبقى من طينته.
وعلى هذا الأساس فإن عملية خلق حواء تمت بعد خلق آدم، وقبل خلق أبناء آدم.
عبارة (ثم) لا تأتي دائما كتأخير للزمان، وإنما تأتي أحيانا كتأخير للبيان، فمثلا يقال: رأيت ما عملته اليوم ثم رأيت ما عملته بالأمس، في حين أن عمل الأمس قد نفذ قبل عمل اليوم، ولكن المراد هنا أن مشاهدته تمت بعد عمل اليوم.
والبعض اعتبر الآية المذكورة أعلاه تشير إلى (عالم الذر) وخلق أبناء آدم بعد خلق آدم وقبل خلق حواء بشكل أرواح، هذا التفسير غير صحيح، وقد بينا هذا في تفسير وتوضيح " عالم الذر " في ذيل الآية (172) من سورة الأعراف.
ومما يجدر ذكره أن زوجة آدم (عليه السلام) لم تخلق من أي جزء منه، وإنما خلقت مما تبقى من طينته التي خلق منها، وذلك كما ورد في الروايات الإسلامية، وأما الروايات التي تقول بأنها خلقت من ضلع آدم الأيسر، فإنه كلام خاطئ مأخوذ من بعض الروايات الإسرائيلية، ومطابق في نفس الوقت لما جاء في الفصل الثاني من كتاب التوراة (سفر التكوين) المحرف، إضافة إلى كونه مخالفا للواقع والعقل، إذ أن تلك الروايات ذكرت أن أحد أضلاع آدم قد أخذ وخلقت منه حواء، ولهذا فإن الرجال ينقصهم ضلع في جانبهم الأيسر، في حين أننا نعلم بعدم وجود أي فارق بين عدد أضلع المرأة والرجل، وهذا الاختلاف ليس أكثر من خرافة.
بعد هذا ينتقل الحديث إلى مسألة خلق أربعة أنواع من الانعام تؤمن للإنسان