وعلى أية حال، فإن المراد من قوله تعالى: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون هو إثبات دلائل قدرة البارئ عز وجل، ومسألة الخلق، والمعاد، وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة الله عز وجل.
وبعد ما أصبحت - حاكمية - (الله) على وجود الإنسان وتدبير أمره عن طريق نظام الحياة والموت والنوم واليقظة، أمرا مسلما من خلال الآيات السابقة، تناولت الآية اللاحقة خطأ اعتقاد المشركين فيما يخص مسألة الشفاعة، كي تثبت لهم أن مالك الشفاعة هو مالك حياة وموت الإنسان، وليس الأصنام الجامدة التي لا شعور لها أم اتخذوا من دون الله شفعاء (1).
وكما هو معروف فإن إحدى الأعذار الواهية لعبدة الأوثان بشأن عبادتهم للأوثان، هي ما ورد في مطلع هذه السورة ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (2)، إذ أنهم كانوا يعدونها تماثيل وهياكل للملائكة للأرواح المقدسة، ويزعمون أن هذه الأحجار والأخشاب الميتة لها قدرة هائلة.
ولكون الشفاعة تحصل من الشفيع الذي هو، أولا: يشعر ويدرك ويفهم، وثانيا: قدير ومالك وحكيم، فإن تتمة الآية تجيبهم قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون (3).
إذا كنتم تتخذون من الملائكة والأرواح المقدسة شفعاء لكم، فإنهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، لأن كل ما عندهم هو من الله، وإذا كنتم تتخذون من الأصنام المصنوعة من الخشب والحجارة شفعاء لكم، فإنهم علاوة على عدم امتلاكهم شيئا لأنفسهم، فهم لا يمتلكون أدنى عقل أو شعور، فاتركوا هذه الأعذار، وعودوا إلى الذي يملك ويحكم كل هذا العالم، وإلى من إليه تنتهي كل الأمور.