عليه غضبي فقد هوى.
" هوى " في الأصل بمعنى السقوط من المكان المرتفع، والذي تكون نتيجته الهلاك عادة، إضافة إلى أنه هنا إشارة إلى السقوط الرتبي والبعد عن قرب الله، والطرد من رحمته.
ولما كان من الضروري أن يقترن التحذير والتهديد بالترغيب والبشارة دائما، لتتساوى كفتا الخوف والرجاء، حيث تشكلان العامل الأساسي في تكامل الإنسان، ولتفتح أبواب التوبة والرجوع بوجه التائبين، فقد قالت الآية التالية:
واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم إهتدى.
كلمة (غفار)، صيغة مبالغة، وتوحي أن الله سبحانه لا يقبل هؤلاء التائبين ويشملهم برحمته مرة واحدة فقط، بل سيعمهم عفوه ومغفرته مرات ومرات.
ومما يستحق الانتباه أن أول شرط للتوبة هو ترك المعصية، وبعد أن تتطهر روح الإنسان من هذه التلوث، فإن الشرط الثاني هو أن يغمرها نور الإيمان بالله والتوحيد، وفي المرحلة الثالثة يجب أن تظهر براعم الإيمان والتوحيد - والتي هي الأعمال الصالحة والمناسبة - على أغصان وجود الإنسان.
وبخلاف سائر آيات القرآن التي تتحدث عن التوبة والإيمان والعمل الصالح فقط فقد أضافت هذه الآية شرط رابع، وهو قوله: ثم إهتدى. وقد ذكر المفسرون لهذه الجملة تفسيرات عديدة، يبدو أن اثنين منها هما الأوفق والأدق:
الأول: إنها إشارة إلى أن الاستمرار في طريق الإيمان والتقوى والعمل الصالح، يعني أن التوبة تمحو ما مضى وتكون سببا للنجاة، وهي مشروطة بأن لا يسقط النائب مرة أخرى في هاوية الشرك والمعصية، وأن يراقب نفسه دائما كيلا تعيده الوساوس الشيطانية وأهواؤه إلى مسلكه السابق.
والثاني: هذه الجملة إشارة إلى لزوم قبول الولاية، والالتزام بقيادة القادة