وقيل: هو أن يكون بينك وبين انسان شئ، فإذا لقيته أعرضت عنه، عن مجاهد. وقيل: هو أن يسلم عليك، فتلوي عنقك تكبرا، عن عكرمة. (ولا تمش في الأرض مرحا) أي: بطرا وخيلاء (إن الله لا يحب كل مختال فخور) أي: كل متكبر فخور على الناس. (واقصد في مشيك) أي: اجعل في مشيك قصدا مستويا على وجه السكون والوقار، كقوله (الذين يمشون على الأرض هونا). قال قتادة.
معناه تواضع في مشيك. وقال سعيد بن جبير: ولا تختل في مشيك.
(واغضض من صوتك) أي: انقص من صوتك إذا دعوت وناجيت ربك، عن عطا. وقيل: لا تجهر كل الجهر، واخفض صوتك ولا ترفعه مطاولا به. (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) أي: أقبح الأصوات صوت الحمير، أوله زفير وآخره شهيق، عن قتادة. يقال: وجه منكر أي: قبيح. أمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي والنطق. وروي عن زيد بن علي أنه قال: أراد صوت الحمير من الناس، وهم الجهال، شبههم بالحمير كما شبههم بالأنعام في قوله: (أولئك كالأنعام) وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: هي العطسة المرتفعة القبيحة، والرجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا، إلا أن يكون داعيا، أو يقرأ القرآن.
ثم ذكر سبحانه نعمه على خلقه، ونبههم على معرفتها، فقال: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات) من الشمس والقمر والنجوم (وما في الأرض) من الحيوان والنبات، وغير ذلك مما تنتفعون به، وتتصرفون فيه، بحسب ما تريدون.
(وأسبغ عليكم) أي: أوسع عليكم، وأتم عليكم (نعمه ظاهرة وباطنة) فالظاهرة: ما لا يمكنكم جحده من خلقكم، وإحيائكم، وإقداركم، وخلق الشهوة فيكم، وغيرها من ضروب النعم. والباطنة: ما لا يعرفها إلا من أمعن النظر فيها.
وقيل: الباطنة مصالح الدين والدنيا مما يعلمه الله، وغاب عن العباد علمه، عن ابن عباس. وفي رواية الضحاك عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه فقال: " يا بن عباس!
أما ما ظهر فالإسلام وما سوى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق. وأما ما بطن فستر مساوئ عملك، ولم يفضحك به. يا بن عباس! إن الله تعالى يقول:
ثلاثة جعلتهن للمؤمن، ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله أكفر به عنه خطاياه، والثالث: سترت مساوى عمله، ولم أفضحه بشئ منه، ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم).