الماء، ليس من حديث الشجر والأقلام، وإنما هو من حديث المداد، كما قرأ جعفر الصادق عليه السلام مداده. فأما رفع (البحر)، فإن شئت كان معطوفا على موضع (أن) واسمها، كما عطف عليه في قوله: (أن الله برئ من المشركين ورسوله)، وقد مضى ذكر ذلك في موضعه.
ومن قرأ (يمده) بضم الياء، فإنه تشبيه بإمداد الجيش، وليس يقوى أن يكون قراءة جعفر بن محمد عليه السلام والبحر مداده أي: زائد فيه، لأن ماء البحر لا يعتد في الشجر والأقلام، لأنه ليس من جنسه، والمداد هناك هو هذا الذي يكتب به.
المعنى: ثم أكد سبحانه ما تقدم من خلقه السماوات والأرض بقوله: (لله ما في السماوات والأرض) أي. له جميع ذلك خلقا وملكا، يتصرف فيه كما يريده، ليس لأحد الاعتراض عليه في ذلك (إن الله هو الغني) عن حمد الحامدين، وعن كل شئ. (الحميد) أي: المستحق للحمد والتعظيم (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) أي: لو كان شجر الأرض أقلاما، وكان البحر مدادا، ويمده سبعة أبحر مثله أي: تزيده بمائها، فكتب بتلك الأقلام والبحور، لتكسرت تلك الأقلام، ونفد ماء البحور، وما نفدت كلمات الله. وقد ذكرنا تفسير (كلمات الله) في سورة الكهف، والأولى أن يكون عبارة عن مقدوراته، ومعلوماته، لأنها إذا كانت لا تتناهى، فكذلك الكلمات التي تقع عبارة عنها لا تتناهى.
(إن الله عزيز) في اقتداره على جميع ذلك (حكيم) يفعل من ذلك ما يليق بحكمته. ثم قال: (ما خلقكم ولا بعثكم) يا معشر الخلائق (إلا كنفس واحدة) أي: كخلق نفس واحدة، وبعث نفس واحدة في قدرته، فإنه لا يشق عليه ابتداء جميع الخلق، ولا إعادتهم بعد إفنائهم. قال مقاتل: إن كفار قريش قالوا. إن الله خلقنا أطوارا: نطفة، علقة، مضغة، لحما، فكيف يبعثنا خلقا جديدا في ساعة واحدة؟ فنزلت الآية. (إن الله سميع) يسمع ما يقول القائلون في ذلك (بصير) بما يضمرونه.
(ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) أي: ينقص من الليل في النهار، ومن النهار في الليل، عن قتادة. وقيل: معناه أن كل واحد منهما