ونعم الله تعالى كثيرة، والمفرد أيضا يدل على الكثرة، قال: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). وأما قوله (ظاهرة وباطنة)، فلا ترجيح فيه لإحدى القراءتين على الأخرى، ألا ترى أن النعم توصف بالظاهرة والباطنة، كما توصف النعمة بذلك.
ومن قرأ (فتكن)، فهو من وكن الطائر يكن: إذا استقر في وكنه. ومنه قول امرئ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل (1) وقوله (أصبغ): أبدل فيه السين صادا لأجل الغين، كما قالوا سالغ وصالغ.
المعنى: ثم عاد سبحانه إلى الإخبار عن لقمان، ووصيته لابنه، وأنه قال له:
(يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل) معناه: إن فعلة الانسان من خير أو شر، إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن. ويجوز أن يكون الهاء في أنها ضمير القصة كما في قوله (فإنها لا تعمى الأبصار). قال الزجاج: يروى أن ابن لقمان سأل لقمان فقال: أرأيت الحبة تكون في مقل البحر أي مغاص البحر، يقال: مقل يمقل إذا غاص، أيعلمها الله؟ فقال: إنها أي إن التي سألتني عنها، إن تك مثقال حبة من خردل (فتكن في صخرة) أي فتكن تلك الحبة في جبل، عن قتادة. والمعنى في صخرة عظيمة، لأن الحبة فيها أخفى وأبعد من الاستخراج.
(أو في السماوات أو في الأرض) ذكر السماوات والأرض بعد ذكر الصخرة، وإن كان لا بد وأن تكون الصخرة في الأرض على وجه التأكيد، كما قال: (إقرأ باسم ربك الذي خلق) ثم قال: (خلق الانسان). وقال السدي هذه الصخرة ليست في السماوات، ولا في الأرض، هي تحت سبع أرضين. وهذا قول مرغوب عنه (يأت بها الله) أي: يحضرها الله يوم القيامة، ويجازي عليها أي: يأت بجزاء ما وازنها من خير أو شر. وقيل: معناه يعلمها الله، فيأتي بها إذا شاء، كذلك قليل