وقوله: (فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) والمعنى: فلما خر انكشف للإنس أمر الجن من جهلهم بالغيب، وذلك لأن الجن ما ادعوا علم الغيب، وإنما اعتقد الإنس فيهم أنهم يعلمون الغيب، فأبطل الله عقيدتهم فيهم بموت سليمان.
المعنى. لما تقدم ذكر عباد الله المنيبين إليه، وصله سبحانه بذكر داود وسليمان، فقال. (ولقد آتينا داود منا فضلا) معناه: ولقد أعطينا داود من عندنا نعمة وإحسانا أي: فضلناه على غيره بما أعطيناه من النبوة، والكتاب، وفصل الخطاب، والمعجزات. ثم فصل سبحانه ما أعطاه، فقال: (يا جبال أوبي معه والطير) أي: قلنا للجبال. يا جبال سبحي معه إذا سبح، عن ابن عباس والحسن وقتادة، ومجاهد، قالوا. أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح، فسبحت معه، وتأوله عند أهل اللغة: رجعي معه التسبيح، من آب يؤوب. ويجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له. وأما الطير فيجوز أن يسبح، ويحصل له من التمييز ما يتأتى منه ذلك، بأن يزيد الله في فطنته، فيفهم ذلك.
وقيل. معناه سيري معه، فكانت الجبال والطير تسير معه أينما سار، وكان ذلك معجزا له، عن الجبائي. والتأويب. السير بالنهار. وقيل. معناه ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر بئر، واستنباط عين، واستخراج معدن، ووضع طريق.
(وألنا له الحديد) فصار في يده كالشمع، يعمل به ما شاء من غير أن يدخله النار، ولا أن يضربه بالمطرقة، عن قتادة (أن اعمل سابغات) أي: قلنا له اعمل من الحديد دروعا تامات. وإنما ألان الله تعالى الحديد لداود، لأنه أحب أن يأكل من كسب يده، فالآن الحديد له، وعلمه صنعة الدرع، وكان أول من اتخذها، وكان يبيعها ويأكل من ثمنها، ويطعم عياله، ويتصدق منه. وروي عن الصادق عليه السلام قال:
إن الله أوحى إلى داود عليه السلام: نعم العبد أنت إلا أنك تأكل من بيت المال! فبكى داود أربعين صباحا، فالآن الله له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعا، فباعها بثلاثمائة وستين ألفا، فاستغنى عن بيت المال.
(وقدر في السرد) أي. عدل في نسج الدروع، ومنه قيل لصانعها: سراد وزراد، والمعنى: لا تجعل المسامير دقاقا، فتفلق، ولا غلاظا فتكسر الحلق.