(يعملون له ما يشاء من محاريب) وهي بيوت الشريعة. وقيل: هي القصور والمساجد يتعبد فيها، عن قتادة، والجبائي قال: وكان مما عملوه بيت المقدس، وقد كان الله عز وجل سلط على بني إسرائيل الطاعون، فهلك خلق كثير في يوم واحد، فامرهم داود أن يغتسلوا، ويبرزوا إلى الصعيد بالذراري والأهلين، ويتضرعون إلى الله لعله يرحمهم، وذلك صعيد بيت المقدس قبل بناء المسجد.
وارتفع داود فوق الصخرة، فخر ساجدا يبتهل إلى الله سبحانه، وسجدوا معه فلم يرفعوا رؤوسهم حتى كشف الله عنهم الطاعون.
فلما أن شفع الله داود في بني إسرائيل جمعهم داود بعد ثلاث، وقال لهم: إن الله تعالى قد من عليكم، ورحمكم، فجددوا له شكرا بان تتخذوا من هذا الصعيد الذي رحمكم فيه مسجدا. ففعلوا وأخذوا في بناء بيت المقدس، وكان داود ينقل الحجارة لهم على عاتقه، وكذلك خيار بني إسرائيل، حتى رفعوه قامة، ولداود يومئذ سبع وعشرون ومائة سنة. فأوحى الله إلى داود أن تمام بنائه يكون على يدي ابنه سليمان.
فلما صار داود ابن أربعين ومائة سنة، توفاه الله، واستخلف سليمان، فأحب إتمام بيت المقدس، فجمع الجن والشياطين، وقسم عليهم الأعمال، يخص كل طائفة منهم بعمل. فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها (1) الأبيض الصافي من معادنه، وأمر ببناء المدينة من الرخام والصفاح (2)، وجعلها اثني عشر ربضا (3)، وأنزل كل، ربض منها سبطا من الأسباط.
ولما فرغ من بناء المدينة، ابتدأ في بناء المسجد، فوجه الشياطين فرقا: فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها، وفرقة يقلعون الجواهر والأحجار من أماكنها، وفرقة يأتون بالمسك، والعنبر، وسائر الطيب، وفرقة يأتون بالدر من البحار. فأوتي من ذلك بشئ لا يحصيه إلا الله تعالى. ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك الأحجار حتى صيروها ألواحا، ومعالجة تلك الجواهر واللآلئ.