يسأله عن الساعة بهذا، فيقول: لعل ما تستبطئه قريب، وما تنكره كائن. ويجوز أن يكون تسلية له صلى الله عليه وآله وسلم أي: فاعلم أنه قريب، فلا يضيقن صدرك باستهزائهم بإخفائها. (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا) أي: نارا تستعر وتلتهب (خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا) أي: وليا ينصرهم، ونصيرا يدفع عنهم (يوم تقلب وجوههم في النار) العامل في (يوم تقلب) قوله: (وأعد لهم سعيرا)، والتقليب: تصريف الشئ في الجهات، ومعناه: تقلب وجوه هؤلاء السائلين عن الساعة وأشباههم من الكفار، فتسود، وتصفر، وتصير كالحة، بغد أن لم تكن.
وقيل: معناه تنقل وجوههم من جهة إلى جهة في النار فيكون أبلغ فيما يصل إليها من العذاب.
(يقولون) متمنين متأسفين (يا ليتنا أطعنا الله) فيما أمرنا به ونهانا عنه (وأطعنا الرسولا) فيما دعانا إليه (وقالوا ربنا إنا أطعنا) فيما فعلناه (سادتنا وكبرائنا) والسيد: المالك المعظم الذي يملك تدبير السواد الأعظم، وهو الجمع الأكثر. قال مقاتل: هم المطعمون في غزوة بدر (1). وقال طاوس: هم العلماء. والوجه أن المراد جميع قادة الكفر، وأئمة الضلال (فأضلونا السبيلا) أي: أضلنا هؤلاء عن سبيل الحق، وطريق الرشاد. (ربنا آتهم ضعفين من العذاب) بضلالهم في نفوسهم وإضلالهم إيانا أي: عذبهم مثلي ما تعذب غيرهم (والعنهم لعنا كبيرا) مرة بعد أخرى، وزدهم غضبا إلى غضبك، وسخطا إلى سخطك.
ثم خاطب سبحانه المظهرين للإيمان فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) أي: لا تؤذوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى، فإن حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعظم ويبجل، لا أن يؤذى. واختلفوا فيما أوذي به موسى على أقوال أحدها. إن موسى وهارون صعدا الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته. فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته، حتى عرفوا أنه قد مات، وبرأه الله من ذلك،