ورابعها: إن معنى العرض والإباء ليس هو ما يفهم بظاهر الكلام، بل المراد تعظيم شأن الأمانة، لا مخاطبة الجماد. والعرب تقول: سألت الربع، وخاطبت الدار، فامتنعت عن الجواب، وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب والسؤال، وتقول: أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال. وقال سبحانه: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)، وخطاب من لا يفهم لا يصح. وقال الشاعر:
فأجهشت للبوباة حين رأيته، * وكبر للرحمن حين رآني (1) فقلت له: أين الذين عهدتهم * بجنبك في خفض، وطيب زمان (2) فقال: مضوا واستودعوني بلادهم، * ومن ذا الذي يبقى على الحدثان وقال آخر:
فقال لي البحر إذ جئته * وكيف يجيب ضرير ضريرا فالأمانة على هذا، ما أودع الله السماوات والأرض والجبال، من الدلائل على وحدانيته وربوبيته، فأظهرتها، والإنسان الكافر كتمها وجحدها لظلمه وجهله، وبالله التوفيق. ولم يرد بقوله الانسان جميع الناس، بل هو مثل قوله (إن الانسان لفي خسر، و (إن الانسان لربه لكنود) و (فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه)، والأنبياء، والأولياء، والمؤمنون، عن عموم هذه الآية خارجون. ولا يجوز أن يكون الانسان محمولا على آدم عليه السلام لقوله: (إن الله اصطفى آدم) وكيف يكون من اصطفاه الله من بين خلقه موصوفا بالظلم والجهل.
ثم بين سبحانه الغرض الصحيح والحكمة البالغة في عرضه هذه الأمانة فقال:
(ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) يعني بتضييع الأمانة.
قال الحسن: هما اللذان حملاهما ظلما وجهلا (ويتوب الله على المؤمنين