باء بالإثم يسمى حاملا للإثم، وهو قول الحسن، لأنه قال: الكافر والمنافق حملا الأمانة أي: خانا ولم يطيعا، وأنشد بعضهم في حمل الأمانة بمعنى الخيانة، قول الشاعر.
إذا أنت لم تبرح تؤذي أمانة، وتحمل أخرى، أفرحتك الودائع (1) وأقول: إن الظاهر لا يدل على ذلك، لأنه لا يجوز أن يكون المراد بالحمل هنا قبول الأمانة، لأن الشاعر جعله في مقابلة الأداء، فكأنه قال: إذا كنت لا تزال تقبل أمانة، وتؤدي أخرى، شغلت نفسك بقبول الودائع وأدائها فأثقلتك.
وثانيها: إن معنى عرضنا عارضنا وقابلنا، فإن عرض الشئ على الشئ ومعارضته به سواء. والأمانة: ما عهد الله سبحانه إلى عباده من أمره ونهيه، وأنزل فيه الكتب، وأرسل الرسل، وأخذ عليه الميثاق. والمعنى: إن هذه الأمانة في جلالة موقعها، وعظم شأنها، لو قيست بالسماوات والأرض والجبال، وعورضت بها، لكانت هذه الأمانة أرجح وأثقل وزنا. ومعنى قوله (فأبين أن يحملنها): ضعفن عن حملها كذلك، (وأشفقن منها) لأن الشفقة ضعف القلب، ولذلك صار كناية عن الخوف الذي يضعف عنده القلب. ثم قال: إن هذه الأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الأشياء العظيمة، تقلدها الانسان فلم يحفظها، بل حملها وضيعها لظلمه على نفسه، ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب، عن أبي مسلم.
وثالثها: إنه على وجه التقدير إلا أنه أجري عليه لفظ الواقع، لأن الواقع أبلغ من المقدر. معناه: لو كانت السماوات والأرض والجبال عاقلة، ثم عرضت عليها الأمانة، وهي وظائف الدين أصولا وفروعا، وما ذكرناه من الأقاويل فيها، بما فيها من الوعد والوعيد، عرض تخيير، لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها، وشدتها، وقوتها، ولامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها، ثم حملها الانسان مع ضعف جسمه، ولم يخف الوعيد لظلمه وجهله. وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات والأرض فامتنعت من حملها.